التّهمام (١) أنفاسا ، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان ، حتّى لقد قالت قريش : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بالحرب.
لله أبوهم! وهل أحد منهم أشدّ لها مراسا (٢) ، وأقدم فيها مقاما منّي؟! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وهأنذا قد ذرّفت (٣) على السّتّين! ولكن لا رأي لمن لا يطاع! (٤)
وأنت ترى في هذه الخطبة صورا مروّعة من الآلام القاسية التي أحاطت بالإمام المظلوم المهتضم ، فقد تجرّع الويلات والكوارث من جيشه الذي تمرّد عليه كأشدّ وأقسى ما يكون التمرّد حتى لم يعد له فيهم أي وجود لسلطته وحكومته.
ووجّه معاوية الضحّاك بن قيس الفهري إلى واقصة ليغير ويروّع كلّ من كان فيها من شيعة الإمام ، وضمّ إليه ثلاثة آلاف رجل ، فسار الضحّاك فنهب الأموال ، وقتل كلّ من ظنّ أو احتمل أنّه من شيعة الإمام ، وانتهى إلى القطقطانة فأشاع فيها القتل والدمار ، وسار إلى السماوات فاقترف فيها كلّ ما حرّمه الله من إثم ثمّ قفل راجعا إلى الشام.
ولمّا وافت الأنباء إلى الإمام بلغ به الحزن أقصاه ، ودعا جيشه لصدّ هذا الاعتداء فلم يستجب له أحد ، فقام خطيبا عرض في خطابه لمحنته الكبرى من ذلك المجتمع الذي لا عهد له بالشرف والكرامة ومن بين خطابه قوله :
__________________
(١) نغب التهمام : أي تجرّعت منكم الهمّ والأسى.
(٢) المراس : المعالجة والمزاولة.
(٣) ذرفت : أي أشرفت أو زدت.
(٤) نهج البلاغة ١ : ٦٩ ـ ٧٠.