إنّ تلك القوى التي ثارت على الإمام عليهالسلام كانت مدفوعة وراء مصالحها ، وحبّها للملك والسلطان. يقول البلاذري : حينما فتح الزبير البصرة واستولى على بيت المال ورأى كثرته تلا قوله تعالى : ( وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها ) (١) ، وهذا ما وعدنا الله ، ولمّا قضى الإمام عليهالسلام على تمرّدهم ودخل بيت المال قال عليهالسلام : « يا دنيا غرّي غيري ... » (٢).
وعلي أي حال فإنّ القوم إنّما هبّوا لمناجزة الإمام عليهالسلام من أجل المطامع الرخيصة فخاضوا الباطل وسفكوا دماء المسلمين بغير حقّ ، وهم مسئولون ومحاسبون أمام الله تعالى عليها.
وأعقبت حرب الجمل أفدح الخسائر في المجتمع الإسلامي وأفظع الكوارث ، وقد ابتلي بها المسلمون وامتحن الإمام كأشدّ ما يكون الامتحان ، وفيما يلي بعض تلك المتارك :
١ ـ أنّها مهّدت السبيل لتمرّد معاوية ، ومكّنته من مناجزة الإمام ، ولولاها لما وجد معاوية إلى ذلك سبيلا.
إنّ معركة الجمل قد تبنّت المطالبة بدم عثمان ، وأظهرت أنّه مظلوم ، وأنّهم يطالبون بدمه مع أنّهم لا صلة نسبية لهم به.
أمّا معاوية فهو ابن عمّه ، واتّخذ دمه ورقة رابحة لعصيانه على حكومة الإمام.
٢ ـ أنّها أشاعت الفرقة والخلاف بين المسلمين ، ودمّرت ما كان بينهم من روح الألفة والمودّة ، فقد اختلفوا بعد نهاية الحرب كأشدّ ما يكون الاختلاف ، فقبائل
__________________
(١) الفتح : ٢٠.
(٢) حياة الإمام الحسن عليهالسلام ١ : ٤٦١.