وقام الإمام الزكي الحسن عليهالسلام مع اخوته فغسّلوا الجسد الطاهر ، وطيّبوه بالحنوط الذي جاء به جبرئيل وأدرجوه في أكفانه ، وهم يذرفون أحرّ الدموع ، ولمّا حلّ الهزيع الأخير من الليل حملوا الجثمان المقدّس ، ومعهم كوكبة من خيار المؤمنين فدفنوه في النجف الأشرف حيث مقرّه الآن ، وقد واروا معه العلم والتقى والجهاد ، وببركته أصبحت النجف الأشرف أعظم جامعة دينية في العالم الإسلامي قد تخرّج منها أئمّة الفقه والبلاغة والبيان.
ورجع الإمام الحسن عليهالسلام مع بقيّة اخوانه إلى بيوتهم وهم غارقون في الأسى والشجون.
وفي صبيحة ذلك اليوم الخالد في دنيا الأحزان أمر الإمام الحسن بإحضار المجرم الأثيم عبد الرحمن بن ملجم ، فلمّا مثل أمامه قال له ابن ملجم :
ما الذي أمرك به أبوك؟
أمرني أن لا أقتل غير قاتله ، وأن اشبع بطنك ، وأنعم وطأك ، فإن عاش اقتصّ أو عفا ، وإن مات ألحقتك به ... ».
وبهر الأثيم وراح يقول :
إن كان أبوك ليقول الحقّ ، ويقضي به في حال الغضب والرضا ثمّ إنّ الإمام الحسن ضربه بالسيف فاتّقى الضربة بيده فبدرت ، ثمّ أجهز عليه فقتله (١).
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٩١. تاريخ الطبري ٦ : ٨٦. تاريخ ابن الأثير ٣ : ١٧٠. مقاتل الطالبيّين : ١٦.