وقام الأصبغ وهو يذرف من الدموع مهما ساعدته الجفون قائلا بصوت حزين النبرات :
لا والله! يا ابن رسول الله ، ما تتابعني نفسي ، ولا تحملني رجلاي أن انصرف حتى أرى أمير المؤمنين.
ودخل الإمام الحسن على أبيه ، وأخبره بأسى الأصبغ وذهوله ، فأذن له الإمام ، فدخل عليه ، ووصف الأصبغ حالة الإمام بقوله :
دخلت على أمير المؤمنين ، فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه ، واصفرّ لونه ، فما أدري وجهه أشد صفرة أم العمامة ، فأكببت عليه فقبّلته ، وبكيت.
والتفت إليه الإمام يهدّى روعه قائلا :
« لا تبك يا أصبغ ، فإنّها والله الجنّة! ».
وطفق الأصبغ ودموعه تجري على سحنات وجهه قائلا للإمام بنبرات حزينة :
إنّي والله! أعلم أنّك تصير إلى الجنّة ، وإنّما أبكي لفقدي إيّاك (١).
وخرج الأصبغ وهو غارق بالبكاء ، قد ذابت نفسه أسى وحسرات.
وسارع عمرو بن الحمق الخزاعي لعيادة الإمام وكان من أخلص الناس له ومن أكثرهم ولاء وحبّا له ، ولم يتمكّن أن يقلّ أقدامه من الحزن وأذن له الإمام ، وأراد عمرو أن يخفّف لوعة المصاب على الإمام قائلا :
__________________
(١) أمالي الشيخ الطوسي : ١٢٣.