فلا يطاع ، ويدعو فلا يستجاب له ، وجعل يخبرهم عمّا سيلاقونه من بعده من التنكيل والارهاق من السلطات الظالمة التي ستحكم بلادهم ، قال عليهالسلام :
« أما إنّكم ستلقون بعدي ذلاّ شاملا ، وسيفا قاطعا ، وأثرة يتّخذها الظّالمون فيكم سنّة. فيفرّق جماعتكم ، ويبكي عيونكم وتمنّون عن قليل أنّكم رأيتموني فنصرتموني ، فستعلمون حقّ ما أقول لكم ، ولا يبعد الله إلاّ من ظلم وأثم ».
وتحقّق ما تنبأ به الإمام فيهم فقد سلّط الله عليهم أرجاس البشرية فأخذوا يمعنون في ظلمهم وإرهاقهم ، فأخذوا البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر ، وقتلوا على الظنّة والتهمة ، واستيقظوا بعد أن حلّ بهم العذاب الأليم من قبل معاوية وولاته ، وسائر حكّام بني اميّة ، وقد ندموا كأشدّ ما يكون الندم على ما اقترفوه من خذلان الإمام ، وعصيان أوامره.
وعلى أي حال فقد سئم الإمام من ذلك المجتمع ، وراح يتمنّى مفارقة الحياة ، وكان كثيرا ما يقول :
« متى يبعث أشقاها؟ ».
وأخذ يدعو الله تعالى أن ينقله إلى جواره ؛ ويريحه من ذلك المجتمع الشقي ، فقد روى البلاذري عن أبي صالح ، قال : شهدت عليّا ، وقد وضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقطع الورق ، وهو يقول :
« اللهمّ إنّي سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك ، اللهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني ، وأبغضتهم وأبغضوني ، وحملوني على غير خلقي فأبدلني بهم خيرا لي منهم ، وأبدلهم بي شرّا منّي ، ومث قلوبهم ميث الملح في الماء » (١).
__________________
(١) أنساب الأشراف : ١ : ٢٠٠.