ولمّا يئس الإمام من هدايتهم عبّأ جيشه تعبئة عامّة ، وأمرهم أن لا يبدءوهم بقتال حتى يكونوا هم الذين يبدءون به ، ولمّا نظر الخوارج إلى تهيئة الإمام للحرب تهيّأوا أيضا ، وكانت نفوسهم تتحرّق إلى الحرب ، وهتف بعضهم :
هل من رائح إلى الجنة؟
فصاحوا جميعا :
الرواح إلى الجنّة ، وحملوا حملة منكرة على جيش الإمام وهم يهتفون بشعارهم :
« لا حكم إلاّ لله ».
وانفرجت لهم خيل الإمام فرقتين : فرقة تمضي إلى الميمنة ، وفرقة تمضي إلى الميسرة ، والخوارج اندفعوا بين الفرقتين فتلقّاهم أصحاب الإمام بالنبل وما هي إلاّ ساعة حتى قتلوا عن آخرهم ، ولم يفلت منهم إلاّ تسعة (١).
وقيل للإمام :
هلك القوم بأجمعهم.
وراح الإمام يخبرهم بما أخبره به النبي صلىاللهعليهوآله من أنّهم لم يهلكوا جميعا ، وأنّه سيدين بفكرتهم من في أصلاب الرجال قائلا :
« كلاّ والله! إنّهم نطف في أصلاب الرّجال ، وقرارات النّساء (٢) ، كلّما نجم منهم قرن قطع ، حتّى يكون آخرهم لصوصا سلاّبين ».
__________________
(١) الملل والنحل ـ الشهرستاني ١ : ١٥٩ ، وجاء فيه أنّه انهزم منهم اثنان إلى عمان ، واثنان إلى كرمان ، واثنان إلى سجستان ، واثنان إلى الجزيرة ، وواحد إلى تل موزون ، وأخذ هؤلاء يبثّون فكرتهم في هذه المواضع حتى ظهرت فيها بدعة الخوارج.
(٢) قرارات النساء : أرحامهنّ.