تدلّ جميع أهل العوالم من ذوي العقول على الصّانع الحكيم وعلى قدرته الكاملة ولا تختصّ بصنف دون صنف ولا بطائفة دون أخرى لأظهريّتها التامة وأوضحيّتها الباهرة العالميّة بخلاف ما قبلها وما بعدها من الآيات. ولهذا اختصّها بصنف خاصّ وطائفة معيّنة (كالقوم المتفكّرين ـ ولقوم يسمعون ، ولقوم يعقلون أو يعلمون وأمثالهم من أهل التّدبّر والتّأمّل) لكونها ليست بتلك المثابة من الوضوح والتبيّن.
٢٣ ـ (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) المنام مصدر كالنّوم ، وهو غشية ثقيلة تهجم على القلب فتبطل عمل الحواسّ وتضعف عمل بعض الجوارح كالقلب ، وتبطل عمل الجوارح الأخرى كما هو المحسوس المشاهد. وعرّفه بعض الأكابر بأنّه ريح تقدم من أغشية الدماغ فإذا وصلت إلى العين فترت ، وإذا وصلت إلى القلب نام. وحدّده الفقهاء بذهاب حاسّة البصر والسّمع وغياب إدراكهما عنهما والمعنى أنّ من الآيات الدّالة على قدرته الكاملة نومكم في بعض الليل ، وفي النّهار لاستراحة القوى النفسانية والحيوانيّة والطبيعيّة ، وطلب معاشكم في البعض الآخر منهما (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) أي لهم آذان واعية تسمع سماع تدبّر واستبصار.
٢٤ ـ (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ...) والبرق مصدر نور يلمع في السماء على أثر انفجار كهربائيّ في السحاب ، أي من استكاك يحصل ويحدث فيه (خَوْفاً) أي حال كونه مخوّفا ، لأنه حين حدوث البرق يحدث نوعا الرعد الذي هو صوت السّحاب حين استكاكه ، ويحدث من الرعد الشّديد نار تسقط من السماء بحيث تحرق الجبال فكيف بغيرها وهو الذي يسمّى بالصّاعقة.
فالبرق يصير مقدمة نوعا لسقوط الصّاعقة فلذا كان مخوّفا (وَطَمَعاً) أي مطمعا بحصول المطر الذي هو خير لأن فيه نفعا كثيرا. والحاصل أن البرق آية كبيرة حيث انه يحدث ويخرج من السحاب مع أنه ليس في