أنّه ما كان عدم مجيئهم للأمرين الأخيرين أن الرسول محلّ تهمة عندهم أو أن الله ورسوله أهل للجور والعدوان على أحد بل (أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أنفسهم وغيرهم من خصومهم. ثم إنّه تعالى بعد ما بيّن حال الكفرة والمنافقين بما يدل على ذمّهم وتوبيخهم ، أخذ في أوصاف المؤمنين وشرح حالهم بما يدلّ على كمال مدحهم ورفعة مقامهم ، فقال عزوجل :
٥١ ـ (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ ...) ليعلم أن القراءة المشهورة : إنما كان بنصب القول خبرا لكان ، وفي المجمع عن عليّ عليهالسلام أنه قرأ : قول المؤمنين بالرّفع ، فيصير اسم كان كما هو الظاهر ، وخبره جملة : أن يقولوا. والظاهر أن الحق مع عليّ عليهالسلام حيث أنه ، بقرينة المقام ، يراد من الكريمة أن يحصر قول المؤمنين في قولهم : سمعنا وأطعنا في كل أمر إلهيّ وفي كل أحوالهم. بيان ذلك أنه إذا أمرهم الله سبحانه بالإقرار بوجود الصانع والخالق تعالى يقولون : سمعنا من رسولك وأطعناه ، وإذا أمروا بالشهادة بالوحدانية وبالرسالة وبالولاية يقولون : سمعنا وأطعنا ، وبإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وبالصّيام وبالجهاد إلى آخر أحكامه تعالى سواء كان أمرا أو نهيا وأعم من أن يكون لهم أو عليهم ، ففي كل ما يرد عليهم وإليهم فلا كلام لهم ولا قول إلّا قول : سمعنا وأطعنا ، بخلاف الكفرة والمنافقين فإنهم إذا دعوا إلى الله ، أي إلى كتاب الله ورسوله ليحكم بينهم ، فإذا كان الحكم عليهم إذا فريق منهم معرضون ، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين لعلمهم بأن الحكم لهم.
٥٢ ـ (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) حكي أن بعض الملوك طلب من علماء عصره آية من كتاب الله يكفيه العمل بها عن غيرها من الآيات ، فاتفقوا على إرسال هذه الآية لأن الفوز والفلاح لا يحصلان إلّا بهذه الأمور الثلاثة المذكورة فيها : الإطاعة لله سبحانه ، وخشيته ، وتقواه :
* * *