ممّا يذكّرنا بسالف التاريخ. وفي الآية دلالة على أنّه قد كان من الجنّ من هو غير مسخّر له لمكان قوله تعالى : (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) أي يعدل ويخرج عمّا أمرناه به من طاعة سليمان (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) أي نعذّبه بالنار المشتعلة في الآخرة كما عليه أكثر المفسّرين ، أو في الدنيا فقد قال السدّي قدّر لذلك ملك من عند الله تعالى وكان بيده سوطا من النار وهو واقف على الجنّ الذين يعملون لسليمان بما يأمرهم ، فإذا قصّر أحدهم في العمل يضربه بالسّوط ويحرقه والجنّ لا يراه. والآية الشريفة تدلنا على أن الجنّ مكلّفون مثل بني آدم.
١٣ و ١٤ ـ (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ ...) أي أبنية رفيعة وقصور منيعة ، أو المراد بها المساجد ومحاريبها و (التَّماثِيلُ) قيل هي صور الملائكة والأنبياء ليقتدى بهم. وعن الصّادق عليهالسلام إنّها صور الشجر وشبهه (وَجِفانٍ) جمع جفنة أي صحاف جمع صحفة وهي قطعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة إذا ملئت طعاما وكانت من العود والأحجار (كَالْجَوابِ) جمع الجابية أي الحوض الكبير (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) أي ثابتات لا تنزل عن أماكنها لعظمها وكانت تصنع باليمن ، ثم خاطب سبحانه آل داود وأمرهم بالشكر بقوله : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) أي من يجتهد في أداء الشكر بجنانه ولسانه وأركانه. وقيل الشّكور من يرى عجزه عن الشكر لأن التّوفيق للشّكر نعمة تستدعي شكرا آخر وهكذا ، فإنّ عمر بن الخطاب سمع رجلا يدعو ربه ويقول : اللهمّ اجعلني من القليل ، فخاطبه عمرو قال : ما هذا الدعاء؟ فأجابه : إنّي سمعت الله يقول : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) فأنا دعوته أن يجعلني من ذلك القليل. فقال عمر : كلّ الناس أعلم من عمر. وكان من عادة سليمان عليهالسلام أن يروح إلى بيت المقدس في كل سنة ويبقى فيه مدّة من الزمان لعبادة ربّه والخلوة عن الناس ، ويسدّ باب معبده عليه ويمنع دخول كلّ أحد عليه ولعلّ غرضه من هذا أن يدخل نفسه في الشاكرين