الْأَرْضَ) قلّبوا وجهها أي ظاهرها إلى باطنها وبالعكس للزّراعة وغرس الأشجار واستخراج المعادن واستنباط المياه. وتسمية الإثارة هنا عبّر بها عن تقليب الأرض وإثارتها (وَعَمَرُوها) ببناء الدّور وتشييد القصور وغيرها (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أي المكّيون الذين يسكنون بواد غير ذي زرع مع كونهم فاقدين لأسباب العمارة. أو المعنى أن الذين قبلهم كانوا أكثر إعمارا من قريش (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بإهلاكهم بلا إرسال رسل وبلا إتمام حجة بالبيّنات والبراهين وإظهار المعجزات على أياديهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث عملوا ما أدّى إلى تدميرهم علما منهم بموجبات التدمير والاستئصال بسبب جحدهم وكفرهم مع معرفتهم بصدق الرّسل وما جاؤوا به. وفي الآية تهكّمّ بأهل مكّة حيث كانوا مغترّين بدنياهم ، فالله تعالى بيّن أنهم أضعف من المخلوقين بمراتب لأن مدار أمر الدنيا على التبسّط في البلاد والتسلّط على العباد والتصرف في أقطار الأرض بأنواع العمارات والمسيطرات. وهذه الأمور بحذافيرها مسلوبة عنهم لأنّهم كما قلنا أضعف الأمم وأقلّهم عدّة وعدّة.
١٠ ـ (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى ...) أي عملوا عملا كان نتيجته نار جهنم. وهي معنى السوأى وجاءت السّوأى مؤنّث (أسوء) الذي هو فعل تفضيل كحسنى وكبري (أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) ويحتمل أن يكون (عاقِبَةَ) منصوبا خبر (كان) واسمه (السوأى) في محل الرفع كما في قوله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) وكلمة (أَنْ) مفسّرة للخبر بجملته ، ويحتمل أن يكون (عاقِبَةَ) مرفوعا اسم كان و (السُّواى) في موضع النصب مفعولا ل (أَساؤُا) وجملة (أَنْ كَذَّبُوا) خبر كان. وبناء على الاحتمال الأول يمكن أن تكون جملة (أَنْ كَذَّبُوا) في مورد العلّة ، أي لأجل تكذيبهم بالآيات واستهزائهم بها.
* * *
(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ