المشكاة هو القنديل ، والكوّة أي الخرق في الحائط الذي جعل فيه الزجاجة الصّافية ، وفي الزجاجة مصباح يتّقد بزيت بلغ النهاية في الصفاء والجودة في كلّ الجهات. فان قيل لم شبّه بذلك وقد علم أن ضوء الشمس أبلغ وأقوى من ذلك بكثير؟ قلنا إنّه سبحانه أراد أن يشبّه هدايته بالضوء الكامل الذي يلوح في وسط الظّلمة وهو ضوء المشكاة التي المصباح فيها والتي كأنها الكوكب الدّري. ولمّا كان الغالب على أوهام الخلق الشبهات التي هي كالظّلمات ، فهدايته تعالى فيها كالضوء الكامل في وسط الظّلمات. وهذا المعنى المقصود ما كان يحصل من التشبيه بضوء الشمس حيث أن ضوء الشمس إذا ظهر امتلأ العالم من النور فلا يبقى ظلام حتى تكون الشمس فيه تلوح ، فتكون الهداية بين ظلمات الأوهام والشكوك مثلها. فهذا المثل والتشبيه أليق بما نحن فيه (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) يرشده إلى هداه ويبيّنه له حتى ينجيه من الضلالة والغواية بلطفه وعنايته ، أو يهديه الله لنوره أي إلى إيمانه (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) تقريبا للمعقولات إلى المحسوسات للأفهام ، وتسهيلا للمرام (عَلِيمٌ) كثير العلم فيضع الأشياء في مواضعها.
٣٦ ـ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ ...) الجارّ متعلق بما قبله وهو المشكاة أي : مثل نوره تعالى وهو الهداية في قلوب أهلها كمشكاة في بيوت أذن الله ، أو يتعلق بيوقد ، أي : إيقاده في بيوت (أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) بتعظيمها من تلاوة كتابه فيها ، أو ذكر أسمائه الحسنى فيها ، أو تطهيرها. وهل المراد بها المساجد أو بيوت الأنبياء ، أو أعمّ منها كبيوت الأوصياء فيها أقوال. ففي الكافي عن الصّادق عليهالسلام : هي بيوت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وعن الباقر عليهالسلام هي بيوت الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى. وفي رواية : وبيت عليّ عليهالسلام منها. ويؤخذ من بعض الروايات أن المقصود من البيوت هو الأئمة عليهمالسلام بأنفسهم. في