التراب طبعا بارد يابس ، والحياة حارّة رطبة. وكذلك من حيث لونه فإن التراب جسم كدر ، والرّوح التي هي مدار الحياة جسم نيّر ، والتراب ثقيل والرّوح خفيفة ، والتراب كثيف والرّوح لطيفة. ومن حيث السكون فإن التراب بعيد عن الحركة غاية البعد ، والحيوان متحرّك إلى جميع جهاته حسب طبيعته. فظهر أنّ التراب أبعد العناصر مادة عن قبول الحياة حيث بينهما تضادّ بخلاف الماء فإن فيه الصّفاء والرّطوبة والحركة لأنه جسم سيّال رطب طبعا. وكلّ صفاته على طبع الأرواح ملائمة لها. والنار أيضا قريبة إلى الحياة لأنها كالحركة الغريزيّة التي تولّد الحرارة الغريزيّة ، وهي منضجة جامعة مفرّقة ، وكذا الهواء أيضا ، فهو أقرب إلى الرّوح والحياة لخفّته وصفائه ولطافته. فهو جلّ وعلا خلق آدم من أبعد الأشياء عن مرتبة الحياة وجعله حيّا لإظهار كمال القدرة وغاية الحكمة وهو عليهالسلام في أعلى المراتب من الأجسام والنبات والحيوان. وكيف لا يكون كذلك وهو المسبّح والحامد والمهلّل والمكبّر ، وقد شابه الملائكة في التسبيح والتحميد بل كان أعلى منهم مرتبة لأنه أعلم منهم. فهذه الخلقة أعلى الآيات والشواهد على ربوبيّته ووحدانيّته وقدرته وحكمته ، فاللهم عرّفنا نفسك ونبيّك ووليّك.
٢١ ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ ...) أي أبدع وأوجد لكم (زوجات) كانت مماثلة ومشاكلة لكم ومن جنسكم ، لأن الجنس إلى الجنس أميل وآنس ، ويمكن أن يكون المراد بكون الأزواج من أنفسكم هو حوّاء بناء على خلقها من ضلع آدم ، ثم خلقت النساء بعد ذلك من النّطف الخارجة من أصلاب الرّجال ، فهنّ مخلوقات من أنفس الرجال حدوثا وبقاء (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) أي لتستأنسوا بها وتميلوا إليها بحكم السنخية الحاصلة من اتّحاد الجنس والمماثلة ، كما أن الاختلاف في الجنس سبب للتنافر والتنازع (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) أي أحدث وأوجد بواسطة الزّواج بينكم وبين أزواجكم ، بل بين عشيرتكم وعشيرة الأزواج ببركة الزواج توادّا وتحابّا حتى لو كان بين العشيرتين قبل حدوث الزواج تخاصم وتنازع،