٤٦ ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ ...) أي ومن أفعاله الدالة على معرفته وكمال قدرته هو إرسال رياح الرحمة ، فإن الرياح أربعة : الشمال والصّبا ، والجنوب ، وهذه رياح رحمة ، والدّبور وهذا ريح نقمة وعذاب. ومنه قوله عليهالسلام والصّلاة : اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ، أي اجعله نعمة ورحمة ولا تجعله عذابا أي ريح دبور ، بقرينة الجمع والإفراد. والرياح المبشّرة هي رياح الرّحمة ، وحين جريانها وتحرّكها بإذن ربّها كأنها تكون ناطقات بالبشارة بالخير ومطر الرّحمة ومنافع الزرع وإصلاح أحوال سائر الأشياء ، فإن الرياح لو لم تهب لظهرت العفونات فتتولّد الأوبئة والأمراض وغيرها ممّا يتولّد عن فساد الهواء (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) أي من المنافع التابعة. وهذا عطف على معنى (مُبَشِّراتٍ) أي ليبشركم وليذيقكم من رحمته التي هي الغيث المسبّب عنها ، أو الخصب التابع له ، أو الروح الحاصل بهبوبها. والتعبير بالإذاقة لأن الإذاقة تقال في القليل. ولمّا كان مطلق نعم الدّنيا وراحتها الفانية بالإضافة إلى نعم الآخرة ولذّاتها الباقية نزر قليل عبّر عنها سبحانه بالإذاقة رمزا إلى هذا (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ) ولمّا أسند الفعل إلى الفلك عقّبه بأمره ، أي : الجري بأمره سبحانه وبإرادته (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) في التجارات البحريّة تبتغون الخير من فضله (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه النعم فتوحّدون ربّكم. ثم خاطب نبيّه (ص) تسلية له فقال :
٤٧ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً ...) لم يكن لهم شغل غير ما تعمله أنت (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أتوا قومهم بدلائل على نبوّتهم ومن كذّبهم أصابهم البوار ومن آمن بهم كان لهم الانتصار (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أي كفروا بآياتنا وجحدوها (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) بالحجة والبرهان ، أو في الرّجعة. ثم قال سبحانه مفسّرا لما أجمله في الكريمة المتقدّمة :
* * *