أن لا يطعنوا به ، بل لا بد وأن يدفعوا الطاعنين على قدر وسعهم كما يذبّون عن أنفسهم. وحاصل معنى الشريفة أنه كان على المؤمنين حينما سمعوا هذا الكلام أن يقيموا النكير وأن لا يقبلوه بل يظنّوا بعائشة وصفوان خيرا ، ويحملوا الأمر على أحسنه ويقولوا (هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) كما يقول المستيقن المطّلع :
١٣ ـ (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ...) : يعني هؤلاء الأفكة إذا كانوا صادقين في قولهم لماذا لا يجيئون على مدّعاهم ببيّنتهم ، بأربعة شهداء؟ (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا) ولن يأتوا بهم أبدا (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) أي فلا بدّ من أن يجري عليهم حكم القذف لأنهم كاذبون.
١٤ ـ (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ ...) أي لولا فضل الله عليكم في الدّنيا بأنواع النّعم التي من جملتها الإمهال للتّوبة ، ورحمته في الآخرة بالعفو والمغفرة (لَمَسَّكُمْ) بالفعل عاجلا (فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ) أي خضتم فيه (عَذابٌ عَظِيمٌ) دائم.
١٥ ـ (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ...) أي يأخذه بعضكم عن بعض بالسّؤال عنه (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ) بلا مساعدة من القلوب وبلا شعور منها به ، تقولون (ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) تحكون الخبر وتنقلونه جهلا منكم به وبلا حجّة ومن غير برهان (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً). أي سهلا لا إثم فيه ولا تبعة له (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) من حيث ترتّب العقوبات الكثيرة عليه لأنه موجب لإلحاق العار بأهل بيت النبوّة والاستخفاف بمنصب الرسالة والتّجاسر عليه ، وهذه من أعظم الكبائر فعقوبتها أعظم وأشدّ. والحاصل أنّه يستفاد من الكريمة أنّ القائلين بالإفك ارتكبوا أمورا ثلاثة يترتب على كل واحد منها مسّ العذاب العظيم. أحدها : تلقّي الإفك بالألسنة ، والثاني : التّحدّث به من غير تحقّق ، الثالث : الاستصغار بأمر تعلّق الحكم الإلهي بعظمه وخطره.