العمل بوظائف دينه أي لننزلنّهم مكانا من الجنة أو لنثوينّهم من الإثواء أي الإقامة (غُرَفاً) أمكنة عالية رفيعة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) تحت الغرف (خالِدِينَ فِيها) أي يكونون في الغرف إلى الأبد ، و (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) أي نعمت الجنة أجرا للعاملين. وحذف المخصوص بالمدح لدلالة الكلام السّابق عليه. ثم أخذه سبحانه في بيان العاملين بذكر أوصافهم فقال :
٥٩ ـ (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ...) أي صبروا على المشاقّ والمحن والأذى وينحصر توكّلهم عليه سبحانه. فلما نزلت الشريفة هذه عزموا على المهاجرة إلى المدينة ، ولمّا مشوا ووصلوا إلى أثناء الطريق عرضت لهم الوسوسة وغلبت عليهم قوّة حبّ الوطن وصعوبة الغربة وأنّا نروح إلى بلد لا يكون لنا فيها دار ولا أسباب معيشة ، فقصدوا الرجوع إلى مكة فنزلت الكريمة :
٦٠ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ ...) القمّي قال : كان العرب يقتلون أولادهم مخافة الجوع. فقال الله تعالى (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم (الْعَلِيمُ) بضمائركم. وفي المجمع عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى بعض حيطان الأنصار فأخذ يأكل تمرا وقال هذه صبح رابعة لم أذق طعاما ، ولو شئت لدعوت ربّي فأعطاني مثل ما ملك كسرى وقيصر ولكن أريد أن أكون يوما جوعانا وآخر شبعانا. فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت مع قوم يخبئون رزق سنتهم لضعف اليقين؟ قال ابن عمر : فو الله ما برحنا حتّى نزلت : وكأيّن من دابّة (لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) من ناحية عدم القدرة والطاقة على إيجاده ، بل الله تعالى هو الرزّاق الكريم لسائر مخلوقاته. وقد روي أن من المخلوقات التي تدخّر الرزق ثلاثة ، هي : الإنسان ، والنملة ، والفأر. وقيل إنّ العقعق يدّخر رزقه ولكنه ينسى مكانه.
* * *