في تفسير الكريمة : هدى من في السّماوات وهدى من في الأرض ، أو منوّر السّماوات بالنجوم والكواكب وكذلك الأرض منوّرة بالشمس والقمر والنجوم ، أو مزيّن السماوات بها وبالملائكة والأرض بالأنبياء والرّسل والعلماء الذين هم ورثة الأنبياء (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) أي كوّة غير نافذة يوضع عليها المصباح أو يوضع فيها (فِيها مِصْباحٌ) سراج (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) في قنديل زجاجيّ (الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) تضيء كأنّها الزّهرة في لمعانها وتلألؤها (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) كثيرة المنافع (زَيْتُونَةٍ) بدل من الشجرة. والحاصل أن المصباح الذي لا بد له من دهن حتى يوقد ويضيء مأخوذ دهنه من شجرة زيتون (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) أي ليست الشجرة في مكان لا يصيبها الشمس إلّا أوّل شروقها فقط في تمام اليوم ، أو حين غروبها فقط ، بل في مكان من الأمكنة التي تصيبها الشمس في تمام النهار. ووجه التخصيص أن شجرة الزيتون إذا كانت في المكان الذي وصف فإن زيتها يصير أصفى وأدوم وأحسن من كلّ الجهات المرغوب فيها. أو المراد بقوله تعالى أنّ منبتها الشام وهي وسط العمارة لا شرقها ولا غربها ، وزيتونها أجود لأنّها ليست في مضحى الشمس دائما فتحرقها ولا في مقناة لا تصيبها أبدا أو بمقدار كاف فلا ينضج ، ثم إنه تعالى وصفه بوصف آخر ليوضح صفاءها ولطافتها فقال : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) اي قبل أن تمسّه النار لفرط صفائه وكثير لطافته (نُورٌ عَلى نُورٍ) متضاعف صفاؤه حيث انضمّ إلى نور المصباح صفاء الزيت ولمعان الزّجاجة التي وضع المصباح فيها فأحاطت به لحفظ نور المصباح عن الخمود بالأرياح والنفخ وغيرهما من الموانع فصار المجموع كأنه نور على نور. ثم أنه لا بد في التشبيه من المشبّه والمشبّه به ، فالمشبّه في الآية هو النور وقد فسرناه بتفاسير تبعا لأكثر المفسّرين ، والأحسن منها لعلّه كان ما في بعض الرّوايات من أن المراد بالنّور هو الهداية وآياته تعالى البيّنات ، وهذا التفسير قول جمهور المتكلّمين. والمعنى أن هداية الله بلغت في الجلاء والظّهور إلى أقصى الغاية بمنزلة المشكاة التي تكون فيها الزجاجة. وقلنا بأن