وإنّما لم يوصف فعل الحائض بمخالفة المسلمين ، لاشتماله على وصف ذمّ ، مع أنّ تركها من فعل المسلمين ، لأنّ حكمه تعالى في حقّها ذلك.
بل الوجه أن يقال : الممنوع منه إنّما هو المخالفة في الواجب ، لا مطلق الفعل ، فالاستدلال به على الوجوب دور.
وعلى الثاني : أنّ التأسّي هو الإتيان بمثل فعل الغير على وجهه لا مطلقا ، فليس مطلق فعل الرسول سببا للوجوب في حقّنا ، فإنّ فعله قد لا يكون واجبا ، فلو فعلناه واجبا لم يكن تأسّيا.
وقال أبو الحسين : إنّه ليس تهديدا ، لأنّ الإنسان قد يرجو المنافع ، كما يرجو دفع المضارّ ، ولو كان تهديدا لدلّ على وجوب التأسّي ، وقد بيّنّا أنّ التأسّي في الفعل هو إيقاعه على الوجه الّذي أوقع عليه ، فالآية تدلّ على ما نقوله ، قال : وقد قيل : إنّ قوله (لَكُمْ)(١) ليس من ألفاظ الوجوب ، ولو دلّ على الوجوب لقال «عليكم».
واعترضه : بأنّه لا يصحّ الاستدلال بذلك على نفي الوجوب ، لأنّ معنى قولنا : «لنا أن نفعل كذا» هو أنّه لا حظر علينا في فعله ، والواجب ليس بمحظور الفعل. (٢)
وفيه نظر ، فإنّ المعترض منع من الاستدلال به على الوجوب ، ولم يستدلّ به على نفيه.
__________________
(١) الأحزاب : ٢١.
(٢) المعتمد : ١ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.