احتجّوا أيضا ، بأنّه تعالى إن أراد التخيير في الأمر بالاعتداد بالقرءين أيّهما شاءت أو واحدا بعينه ، فقد أراد ما لا سبيل للمجتهد إلى فهمه ، فإنّ اللّفظ لا ينبئ عن التخيير عندكم ، ولا عن واحد بعينه ، فوجبت مقارنة البيان.
ولأنّه لو حسن الخطاب بالمجمل ، تحسن مخاطبة الزّنجيّ بالعربيّة ، والجامع جهل السّامع بمراد المتكلّم.
والجواب عن الأوّل : أنّه أراد واحدا بعينه ، ولم يرد من المجتهد فهمه في الحال ، لعدم نصب دليل عليه ، بل دلّهم على الجملة ، وأراد منهم فهمها ، كما لو قال : «اعتدّي بواحد من أحد شيئين بعينه ، وسأبيّنه لك» و «اضرب رجلا معيّنا سأبيّنه لك» وبالجملة كما يتعلّق الغرض بالبيان التفصيليّ كذا يتعلّق بالإجماليّ.
وعن الثاني : بالفرق ، فإنّ السامع للمشترك يفهم أنّ المراد أحد معنييه لا بعينه ، وهو التردّد الّذي اقتضاه اللفظ والحصر في معانيه ، بخلاف مخاطبة الزنجيّ بالعربيّة ، لأنّه لا يفهم شيئا إجمالا ولا تفصيلا ، فقبح خطابه من غير بيان ، بخلاف المشترك.
لا يقال : لو كان في كلام الزّنج ما هو مشترك بين الأمر والنهي وجميع أقسام الكلام ، يحسن أن يخاطب العربيّ ، لأنّه يعتقد أنّه أراد واحدا من ذلك.
لأنّا نقول : كما يجوز أن يكون في كلام الزّنج ما هو مشترك بين ذلك ، فإنّه يجوز خلافه ، فلا يعتقد السامع في ذلك الكلام ما يفيده من التردّد بين هذه الأقسام ، ولو اعتقد ذلك لاعتقده بغير الكلام ، إمّا لاعتقاده حكمة المتكلّم ، أو لظنّه حكمته ، وأنّ الحكيم لا بدّ أن يريد بخطابه شيئا ما.