فالأوّل هو أخذ الحقيقة لا بشرط شيء والثاني أخذها بشرط لا شيء ، وبينهما فرق.
ولأنّ شرط الخلوّ عن كلّ القيود غير معقول ، لأنّ الخلوّ قيد ، ودلالة المطلق على التمكّن من أيّ فرد ليست لفظيّة وضعيّة ، ودلالة المقيّد على وصف التقييد وضعيّة من حيث اللّغة ، فهو أولى بالرّعاية. (١)
وفيه نظر ، فإنّ حمله على الندب لا يقتضي ضعف دلالته على معناه ، ولا إهمال شيء منها ، أقصى ما في الباب ، أنّه حمل الأمر فيه على الندب ، إمّا على سبيل المجاز أو لا على الخلاف ، ودلالة المقيّد على التقييد لا يتعيّن في حالتي الحمل على الوجوب أو الندب.
بل الوجه في الجواب أن يقال : حمله على الوجوب يقتضي يقين البراءة والخروج عن العهدة بيقين ، بخلاف حمله على الندب ، فإنّ يقين البراءة لا تحصل ، بل ولا ظنّها ، لقوّة كون الأمر للوجوب أو للاشتراك اللفظيّ ، ومعها لا براءة يقينيّة.
أو يقال : حمل المطلق على المقيّد لا يخرجه عن حقيقته إلى مجازه قطعا ، بل يكون العامل برقبة مؤمنة موفيا (٢) للعمل باللّفظ المطلق في حقيقته ، ولهذا لو أنّه أدّاه قبل ورود التقييد ، لكان قد عمل باللّفظ في حقيقته ، بخلاف تأويل المقيّد وصرفه عن حقيقته إلى مجازه ، ولا شكّ في أولويّة استعمال اللّفظ في حقيقته من مجازه.
__________________
(١) الاستدلال للرازي في محصوله : ١ / ٤٥٨.
(٢) في «ب» و «ج» : برقبة موفيا.