المدارك ، إذ يقول : لو كان الحكم خاصّا لنصب الله عليه دليلا للمكلّفين ، ولبلغهم ذلك ، وما خفى عليهم.
واعترض الغزالي على الأوّل بوجهين :
الأوّل : أنّه حجر على الصّحابة أن يتمسّكوا بالعموم في كلّ واقعة لم يكثر الخوض فيها ، ولم يطل البحث عنها ، ولا شكّ في عملهم معه ، وجواز التخصيص ، بل مع جواز نسخ لم يبلغهم ، كما حكموا بصحّة المخابرة بدليل عموم إحلال البيع ، حتّى روى رافع بن خديج (١) النّهي عنه.
الثاني : أنّه بعد طول الخوض لا يحصل اليقين ، بل إن سلّم أنّه لا يشذّ المخصّص عن جميع العلماء ، ومن أين عرف أنّه بلغه كلام جميعهم؟ فلعلّ منهم من تنبّه لدليل ، ولم يكتبه في تصنيف ، ولا نقل عنه.
والثاني (٢) كالأوّل ، فإنّه لو اجتمعت الأمّة على شيء أمكن القطع بأن لا دليل يخالفه ، إذ يستحيل إجماعهم على الخطأ ، أمّا في مسألة الخلاف كيف يتصور ذلك؟ (٣)
وفيه نظر ، فإنّه لم يحجر على أحد بل ادّعى أنّ العموم إذا لم يعلم انتفاء
__________________
(١) رافع بن خديج بن رافع الأنصاريّ الأوسي الحارثي ، صحابيّ ، كان عريف قومه في المدينة ، فشهد أحدا والخندق وأكثر المشاهد ، وأصابه يوم أحد سهم في ترقوته ، فنزع السهم وبقي النصل إلى أن مات ، توفّي سنة ٧٤ ه. لاحظ أسد الغابة : ٢ / ١٦٠ برقم ١٥٨٠ ؛ والأعلام للزركلي : ٣ / ١٢.
(٢) أي المسلك الثاني.
(٣) المستصفى : ١ / ١٧٧ ـ ١٧٨.