وكون الاستثناء في «أصحبت جمعا من الفقهاء إلّا زيدا» يخرج ما لولاه لصحّ ، فلم قلت إنّه في سائر الصّور كذلك؟
على أنّا نمنع حسن ذلك في اللّغة ، ولهذا يتداولونه ويقولون في «أصحبت رجالا إلّا زيدا» : إنّ إلّا بمنزلة ليس ، كأنّه قال : ليس زيدا منهم.
والأمر وإن كان لذاته لا يقتضي التكرار ولا الفور ، لكن لا يمنع منهما ، فيجوز أن يكون اقتران «إلّا» به يوجب دلالته عليهما.
ولم يحسن استثناء الملائكة ، والجنّ وملك الهند و [ملك] الصّين ، للعلم بخروجهم عن الحكم ، والمقصود من الاستثناء الإخراج ، ولهذا يحسن استثناؤهم في المشتبه دخولهم فيه ، ولهذا يحسن من الله تعالى استثناء مثل : «أطعمت من خلقت إلّا الملائكة أو نظرت بعين الرّحمة إلى جميع الخلق إلّا الملوك المتكبّرين».
على أنّه مشترك الإلزام ، فإنّ الاستثناء لو كان يخرج من الكلام ما لولاه لصحّ فحسن (١) استثناء الملائكة والجنّ ، لصحة تناول الخطاب لهم.
وأيضا ، فنحن قلنا : الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لوجب ، ولم نقل : إنّ كلّ ما لولاه لوجب يصحّ استثناؤه ، والاستثناء من غير الجنس ممنوع فانّ جماعة من الفضلاء منعوه سلّمناه لكنّه مجاز لانّ الاستثناء مشتق من الثّني ، و [هو] الصّرف ، وإنّما يحتاج إلى الصّرف لو كان بحيث لو لا الصّارف لدخل.
__________________
(١) في «ب» : لحسن.