والخروج إلى مكّة. وكان وداعا أثار مشاعره وعواطفه ، وهناك اخفق برأسه فرأى جدّه في المنام ، وذهب أيضا لوداع قبر امّه وأخيه (١).
الوداع الآخر كان في يوم الطف على أرض كربلاء. فأهل البيت حينما كانوا يودّعون الإمام والمخيم للمرّة الأخيرة ، كانوا أيضا يسلّمون السلام الأخير.
أمّا وداع سيّد الشهداء فقد حصل في عدّة مواقف. في يوم عاشوراء ، اولها حينما جاء إلى الخيام وطلب ثوبا سملا من اخته زينب ليرتديه. وفي هذا الوداع اعتنق علي الاصغر الذي اصيب في الاثناء بسهم في رقبته. والوداع الآخر كان لولده الإمام السجاد وقد حصل في الخيمة. كما انه ودّع ابنته سكينة وكان وداعا صعبا ومريرا.
وفي الوداع الأخير جاء إلى أهل بيته وجراحاته تشخب دما ، وقال : «استعدوا للبلاء واعلموا ان الله تعالى حاميكم وحافظكم ...» (٢). ولمّا أراد النزول إلى القتال للمرة الاخيرة ، خاطب عياله قائلا : «يا سكينة يا فاطمة يا زينب ويا أمّ كلثوم ، عليكنّ منّي السلام ...» (٣) وكان هذا بمثابة الوداع الاخير. ولما أيقن أهل بيته أنّهم لن يرونه بعد هذا بكوا بعولة مشجية وهتاف يفطر الصخر الأصم وزفرات متصاعدة من افئدة حرّى ، وفي هذا الوداع أيضا جاءته زينب عليهاالسلام وقبّلته في صدره ونحره ، وطلبت منه سكينة ان يجلسها في حجره و... الخ. و «مرثية الوداع» تعد من اكثر المراثي لوعة ومرارة. وهنا أيضا ودّع ابنه علي الاكبر. وحينما كان الأصحاب يبرزون للقتال كانوا يودعونه واحدا تلو الآخر ، وكان وداعهم مشفوعا بالسلام واذن البروز للميدان.
ـ سلام الوداع ، اذن القتال
__________________
(١) حياة الإمام الحسين ٢ : ٢٥٩ و ٢٦١.
(٢) مقتل الحسين للمقرّم : ٣٣٧.
(٣) معالي السبطين ٢ : ٢٥.