وهذه الثقافة متعارفة لدى كل الاقوام والشعوب ، وهذا النوع من الموت الاختياري والواعي اتمام للحياة الحرّة الشريفة وليس مناقضا لها ؛ لأن الموت ليس هو النهاية حتّى يقول قائل : انّه انهى حياته باختيار اسلوب الموت. فالموت الاحمر والاستشهاد نوع من الكمال الاسمى من الحياة. والحسين مع علمه بشهادته في واقعة الطف ، سار إلى منحر الشهادة ليحيى الاسلام في ظل شهادته ، ويترعرع الحق. ولا شك ان مثل هذا الهدف يستحب ان يضحّي لاجله الحسين. وهذا الطريق اختاره الحسين بارادته ، وفتحه امام الانسانية ، والسائرون على هذا الطريق الخالد كلهم تلاميذ مدرسة عاشوراء.
وفي ليلة عاشوراء نهض أصحاب الإمام الحسين ، الواحد تلو الآخر واعلنوا عن هذا الاستعداد ولم يكن في قلوبهم اي خوف من الموت. وفي الطريق إلى كربلاء لمّا سمع علي الاكبر عليهالسلام اباه يسترجع ويتحدّث عن الشهادة سأله : «ألسنا على الحقّ» فقال له : نعم. فقال علي الاكبر : «يا أبه لا نبالي بالموت» (١) وفي ليلة عاشوراء سال القاسم عمّه الحسين عليهالسلام : وهل انني سأقتل أيضا؟ فسأله الحسين : كيف تجد الموت؟ قال : «أحلى من العسل» (٢).
وكل هذا يكشف عن مدى الاستعداد وعلو التفكير بحيث يكون الموت في سبيل العقيدة والشهادة في سبيل الله امنية قلبية لاتقياء قطعوا كل صلة لهم بملذات الدنيا وتعلقوا بالحياة الابدية والرزق الالهي في ظل الشهادة. وقد جاء هذا المفهوم في الاشعار التي كان ينشدها الإمام الحسين عليهالسلام في يوم عاشوراء وما سبقه ، ومن جملتها :
وان تكن الأبدان للموت انشئت |
|
فقتل امرئ بالسيف في الله افضل |
كما ويتّضح هذا المعنى من الرجز الذي كان ينشده : «الموت اولى من ركوب
__________________
(١) حياة الإمام الحسين ٣ : ٧٣ ، اللهوف : ٢٦.
(٢) اثبات الهداة ٥ : ٢٠٤.