في قلبي وعقلي وأفكاري ، هَمْسَ الناصح الرفيق والعضيد الشفيق ، بالجدّ والعمل ، لا باللفظ والهزل ، «سر على بركة الله» فانطلقتُ سائراً في رحاب المعارف ومناخ الأنظار أشمّ عبير الكتب وأريج الأسفار ، أهوى بساتين الأبرار وحدائق الأخيار ، أنهل منها نهل الصادي قدر ما يروي ضمأي ويشفي غليلي ويحقّق مرادي ، حتى صارت الكتابة متنفّسي وأداتي لاُعبّر بها عمّا يرشح من رؤاي وآلامي ، معاناتي وأفكاري ، ولا تهافت بين إقراري بحبوي وضعفي وقلّة زادي في دروب الكتابة والتدوين وبين كيمياء الجرأة والثقة بالنفس اللذين زرعهما هذا الرجل في عقلي وقلبي وروحي وغذّاهما حناياي وأعماقي.
ولعلّ من عجائب الدهر وقسوة الأيّام أن ينال قلمي هذا الرجل بين الفينة والاُخرى بالنقد الجارح تارةً والملاحظة الشفّافة اُخرى والاستشكال المؤلم ثالثة ، فلا يجابهني إلاّ بمنهج الحوار والنقاش الساخن الجادّ رغم قدرته الفائقة ونفوذه الواسع وكلمته المدوّية التي تمكنّه من فعل ما يشاء دون صعوبة وعناء. ناهيك عن إعزازه لي بعدئذ وزيادة احترامه أكثر من ذي قبل وأنا الذي تعلّمت منه الكثير ثم قابلته بالنقد والاستشكال المرير .. ألا يتداعى إليك هنا الشاهد الشهير : «وكم علّمته صنع القوافي فلمّا قال قافيةً هجاني» أو نظيره : «اُعلّمه الرماية كلّ يوم فلمّا استدّ ساعده رماني»؟! أمّا هو فيتداعى إليه ـ اعتقاداً ـ مبنى «الجذب والاستقطاب خيرٌ من الطرد والاستبعاد».
وهذا ما جعله الكهف والملجأ والملاذ لشتّى ألوان الناس وأطيافهم.