وبرامجه ومناهجه ، هنالك تقف النفس في كلّ آن ولحظة وساعة كي ترى هل أنّها
سائرة شطر المرام والمقصد طبق الطريق المرسوم. لترى ما أخذت معها لغدها ، ما
وفّرته لمستقبلها السرمدي من مؤنة وزاد. لا نطلب الغد بل الغد يطلبنا ، والغد غير
مفتقر لنا ولا لزادنا ، نحن المفتقرون فيه لذلك الزاد والمؤنة.
نعم ، الغد هو
مصيرنا ، خلودنا ، مكاننا ومستقرّنا ، زماننا الذي نحياه أبدا.
لقد لخّص
الخطاب القرآني سؤال الحياة الكبير ومعناها المثير بخمس كلمات فقط ، كلّ واحدة
منها تمثّل محوراً وقطباً هامّاً في نشأتنا وتكويننا وهويّة انتمائنا ومستقبل
وجودنا ومنهجيّة معارفنا وثقافتنا ونوعيّة تصوّراتنا وعقائدنا.
إنّ نوع النشأة
والتكوين وهويّة الانتماء والتصوّرات تتناسب طرديّاً مع النظرة إلى الحياة وغدها ،
والنفس التي تنظر إلى الغد ليست نفساً واحدة ، والغد ليس غداً واحدا ، بل النصّ
القراني الذي نؤمن بعدم تحريفه وصيانته منه لا نفهمه بفهم واحد ، ونظر هذا غير نظر
ذاك ، وغده ليس كغد ذاك ، مع كون الجميع يدّعي الانتماء لهذا الدين الحنيف.
ولتنظر نفسٌ
أيَّ الفهم فهمت وأيّ القراءة قرأت وأيّ الخطاب استوعبت ، فبنوع الفهم نفهم النظر
والنفس والمقدَّم والمقدَّم إليه.
والمراد بالفهم
هو العملي منه ، المتبلور الذي يطابق الذهنيُّ منه خارجيَّه وبالعكس.