لكنّ أشدّ الشوق وأعذبه ذلك الشوق إلى ديار المولى ، إلى خير أنيس ، إلى الشمس التي ما برحت تسطع على القلوب لتنير العقول بسنى الولاء والعشق ، إلى ثامن الحجج ، إلى الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام.
هناك تعلّمت الحبّ واستمعت لنداء الولاء ، هناك عرفت معنى الصلاة والدعاء والابتهال ، صرت اُميّز بين الضلال والفلاح ، بين الخير والشرّ ، بين الحلال والحرام ، فبدأت أشعر بمفهوم الإنسانيّة وهو يدبّ في حناياي ويسري في عروقي مسرى الدم فيها ، وتغيّر معنى السكينة والاطمئنان عندي ، وصارت الثقة بالنفس ذات تفسير آخر لدي ، كما غدت العزّة والكرامة تفتح آفاقاً في أعماقي بشكل مختلف تماماً عن ذي قبل.
هناك بدأت أزيح عن جبيني وهم الثقافة الزائفة والمعرفة الكاذبة وأعترفت لذاتي وأقررت بأ نّي لستُ سوى مدّعياً لا أملك شيئاً ، فإن أحسنتُ الظنّ بحالي أقول : كنت أودّ أن اُحشر في زمرة أهل الثقافة والمعرفة لا غير. ولم يتغيّر الحال إلى الآن ، غير أنّي كنت اُكابر بغرور أجوف ، بينا اُسجّل الآن إقراري على نفسي ، فلعلّ هذا الإقرار يمنحني جواز الورود في مقدّمات نهل المعرفة الحقّة.
هناك بدأت تتّضح لي معالمُ الجدّ والسعي ، فشعرتُ أنّي بحاجة إلى حركة تخلّصني من مجالس البطّالين والدخول في مجالس العاملين ،