قال الواقدي : وكان عمرو بن العاص لما نزل على قيسارية وجه يزيد بن أبي سفيان في ألفي فارس إلى صور ، فلما سمع الدمستق أمر بالأبواب فأغلقت ، وصعدت الرجالة على الأسوار ، وعمّروا الأبراج ونصبوا المجانيق وأدخل الدمستق يوقنا إلى قصر صور ... فلمّا كان الغد أشرف عليهم يزيد بن أبي سفيان نظر إليهم الدمستق ، فلمّا رآهم قليلا استحقرهم وطمع فيهم وقال : وحقّ المسيح لا بدّلي من الخروج إليهم وهزم هذه الشرذمة اليسيرة. ثم لبس الدمستق اللباس وأمرهم بالخروج وترك على حفظ يوقنا وأصحابه ابن عمّه باسيل ، قال : وكان باسيل هذا ممّن قرأ الكتب السالفة والأخبار الماضية ، وكان قد رأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في دير بحيرا الراهب ... فلما وقع يوقنا وأصحابه ووكّله الدمستق على حفظهم قال : إنّ الإسلام هو الحق ، وقد بشّر به بحيرا الراهب ، ولعلّ الله يغفر لي إذا حللت هؤلاء القوم ...
فلما نظر باسيل إلى المدينة وخلوها واشتغل أهلها بالحرب أخذ رأيه على خلاص يوقنا ومن معه. فأقبل إليهم بالليل والتفت إلى يوقنا وأصحابه وقال : أيها البطريق ، كيف تركت دين آبائك وأجدادك من قبل وعوّلت على دين هؤلاء العرب ، وما الذي رأيت من الحق حتّى تبعتهم ، وقد كانت الروم تتّخذك عضدا لها وعونا ، قال له يوقنا : يا باسيل ظهر لي من الحق ما ظهر لك من الحق فعرفته ... وقا ليوقنا : لقد أنطق الله لسانك بالحق وأن الله تعالى كشف حجاب الغفلة عن قلبي منذ رأيت هؤلاء القوم بدير بحيرا الراهب ... وسمعت بحيرا يقول : هذا والله الذي بشّر به المسيح فطوبى لمن تبعه وآمن به وصدّقه ، فلما عدت من زيارة بحيرا سافرت إلى القسطنطينية بتجارة وطفت في بلاد الروم وأقمت ما شاء الله ،