يوم الأحد سحرا ، واجتزنا في طريقنا بين هونين وتبنين بواد ملتف الشجر ، وأكثر شجره الرند ، بعيد العمق كأنه الخندق السحيق المهوى ، تلتقي حافتاه ، ويتعلّق بالسماء أعلاه ، يعرف بالإسطبل ، لو ولجته العساكر لغابت فيه ، لا منجى ولا مجال لسالكه عن يد الطالب فيه ، المهبط إليه والمطلع عنه عقبتان كؤودان ، فعجبنا من أمر ذلك المكان» (١).
٣ ـ حصن تبنين : ٩ جمادى الآخرة سنة ٥٧٩ هـ
يقول : «فأجزناه (٢) ومشينا عنه يسيرا ، وانتهينا إلى حصن كبير من حصون الإفرنج يعرف بتبنين ، وهو موضع تمكيس القوافل ، وصاحبته خنزيرة تعرف بالملكة ، وهي أمّ الملك الخنزير صاحب عكّة دمرها الله ، فكان مبيتنا أسفل ذلك الحصن» (٣).
٤ ـ عمران جبل عامل ودفع الضرائب الباهظة للصليبيين
يقول : «ورحلنا من تبنين ، دمّرها الله ، سحر يوم الاثنين ، وطريقنا كلّه على ضياع متّصلة وعمائر منتظمة ، وسكّانها كلّها مسلمون ، وهم مع الإفرنج على حالة ترفيه ، نعوذ بالله من الفتنة ، وذلك أنّهم يؤدون لهم نصف الغلّة عند أوان ضمّها ، وجزية على كلّ رأس دينار وخمسة قراريط (٤) ولا
__________________
(١) رحلة ابن جبير : ص ٢٧٤.
(٢) يقصد وادي الإسطبل.
(٣) رحلة ابن جبير : ص ٢٧٤.
(٤) وأي ترفيه ذكره سابقا واستعاذ بالله منه ، وأهالي هذا الجبل الأشم يعاملون كالرقيق المستعبدين ، فهم يعيشون بين نار الضرائب المرهقة التي طالت البشر والغلّة والشجر وهجرة شبابهم الذين التحقوا بجيش حسام الدين بشارة العاملي ، وبين نار التعصّب المذهبي الذي أحدث تغييرا ديموغرافيا في مدنهم الكبرى كصيدا وطبرية والرملة ونابلس وغيرها.