وكانوا قد انطلقوا إليها من قيسارية جنوبي حيفا بعد فتحها سنة ١٩ ه (١).
٢ ـ أبو ذر في جبال عاملة
حين نقرأ سيرة أبي ذر في بلاد الشام ، نجد شيئا من الغموض يكاد يكتنف حياته في هذه المنطقة ، وفي الفترة الزمنية الواقعة بين ١١ ه إلى سنة ٣٠ ه ، إلا أن النصوص التاريخية تتحدّث عمّا أوجده أبو ذر من تغيير وزرع للمبادىء الحقّة في ذهنية المجتمع الشامي ، وصرفه الناس إليه ، وأخذهم الفيتا منه واجتماعهم حوله.
فبعد إمارة معاوية على بلاد الشام سنة ١٨ ه ، نجد قسما كبيرا من الجيش الإسلامي في الشام ، كان مطيعا لأبي ذر الغفاري ، ولا عجب في ذلك إذ أن قبيلة عاملة ، كان لها تواجد لا يستهان به في هذا الجيش آنذاك ، وهو ما أرعب معاوية ، يقول ابن بطال كما في عمدة القارىء للعيني : «إنّما كتب معاوية يشكو أبا ذر لأنّه كان كثير الاعتراض عليه ، والمنازعة له ، وكان في جيشه (٢) ميل إلى أبي ذر» (٣).
فقد كانت إقامته الطويلة في بلاد الشام ، تقضّ مضاجع حكّامها ، فقد استطاع أن يستقطب الأكثرية من الناس في أماكن تواجده ، يعظهم ويرشدهم ويذكرهم بمقام أهل البيت عليهمالسلام ، ما أدّى إلى تشيّع أهالي تلك البلاد لا سيما جبل عاملة ، يقول الحرّ العاملي عن تشيّع العامليين : «إن تشيّعهم أقدم من تشيّع غيرهم ، فقد روي أنّه لما مات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن من شيعة علي عليهالسلام إلّا أربعة مخلصون : سلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعمّار. ثم
__________________
(١) فتوح الشام : ج ٢ ، ص ٢١.
(٢) جيش معاوية.
(٣) الغدير : ج ٨ ، ص ٤٥٦.