وتراجع عن مقاتلتهم ، فبادر المدافعون عنها إلى الخروج من باب المدينة للّحاق به ، لكن ظالما العقيلي فطن بخبرته وتمرّسه في الحروب لمكر هفتكين ونبّه أصحابه إلى أنّ في الأمر مكيدة ، وأنّ هدف هفتكين هو استدراجهم إلى خارج الحصن والمدينة ، ولكن تحذيره لم يلق آذانا صاغية ، بل إنّ أحد رؤساء المغاربة وشيوخهم ويدعى ابن كرامة المغربي اتّهمه بأنّه دسيس على أمير المؤمنين (١).
ووقع ما توقّعه «ظالم» ، فقد استدرج هفتكين المدافعين عن صيدا بعيدا عنها لعدّة أميال ، حتّى وصل إلى نهر (٢) في الجنوب منها ، وأمر ساقة العسكر أن يطلبوا طريق بانياس ، فطمع فيهم من في المدينة وخرج خلق كثير منهم ، ورماه المغاربة بحرابهم ، فانعطف عليهم وفاجأهم برجاله ، فلقوهم بالصدور فانهزموا وأخذهم السيف ، ولم يسلم منهم إلّا المخفّ ، فقتل شيخ المغاربة ابن كرامة وانهزم ابن الشيخ وظالم فقيل إنّ ظالما انهزم إلى صور (٣) ، وقيل إنّه التجأ مع ابن الشيخ إلى أمير الغرب عزّ الدولة تميم بن المنذر فسار بهما إلى شقيف تيرون للاحتماء به من هفتكين (٤).
وأحصي القتلى بعد انتهاء الموقعة ، فبلغوا أربعة آلاف رجل فقطعت رؤوسهم وحملت إلى دمشق ، فطيف بها في الأسواق ثم نصبت (٥). وقصد
__________________
(١) لبنان من السيادة الفاطمية حتّى السقوط بيد الصليبيين : ج ١ ، ص ٢٨ نقلا عن الدرة المضيئة : ص ١٧٦ ، وقد اعتمدت في الحديث عن هذه المعركة على صيغة الدكتور تدمري.
(٢) يحتمل الدكتور تدمري أنّه نهر سينيق.
(٣) ذيل تاريخ دمشق : ص ١٥ ، اتعاظ الحنفا : ج ١ ، ص ٢٣٩.
(٤) أخبار الأعيان : ج ٢ ، ص ٣٥٥.
(٥) الكامل : ج ٥ ، ص ٥١٧ و ٥١٨ ، تاريخ الإسلام : (٣٨١ ـ ٤٠٠) ، ص ١٩٦ ، سير أعلام النبلاء : ج ١٧ ، ص ٥٣ ، اتّعاظ الحنفاء : ج ٢ ، ص ١٨.