للصلاة ، فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها ، فقالت له الجارية : إنّ الله تعالى يقول : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) ، فقال لها : قد كظمت غيظي ، قالت : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) ، قال : عفا الله عنك ، قالت : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، قال : اذهبي فأنت حرّة لوجه الله».
ثم عطف على المتّقين قوله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) فعلة بالغة في القبح كالزنا (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بأن أذنبوا أيّ ذنب كان. وقيل : الفاحشة الكبيرة ، وظلم النفس الصغيرة. ولعلّ الفاحشة ما يتعدّى ، وظلم النفس ما ليس كذلك. (ذَكَرُوا اللهَ) أي : ذكروا نهي الله أو وعيده أو عقابه فانزجروا عن المعصية ، أو حقّه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء منه (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) وقالوا : اللهمّ اغفر لنا ذنوبنا ندما وتوبة.
(وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) استفهام بمعنى النفي ، يعني : الذنوب الّتي يستحقّ عليها العقاب لا يغفرها إلّا الله. والجملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه ، منبّهة على لطيف فضله وجليل عفوه وكرمه ، باعثة على التوبة وطلب المغفرة ، دالّة على سعة الرحمة وعموم المغفرة ، ووعد بقبول التوبة ، وردع عن اليأس والقنوط.
(وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) ولم يقيموا على أفعالهم القبيحة غير مستغفرين. وفي الحديث : «ما أصرّ من استغفر ، ولو عاد في اليوم سبعين مرّة». وروي : «لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار». (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) حال من فعل الإصرار ، والمعنى : وليسوا ممّن يصرّون على قبيح فعلهم عالمين بالنهي عنه والوعيد عليه.
ثمّ وعد المتّقين والتائبين منهم الجنّة والمغفرة ، فقال : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها). فهذه جملة مستأنفة مبيّنة لما قبلها ، وذلك إن عطفت الجملة الموصولة ـ أعني : قوله : (الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً)