نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم تحليله لحم الجزور ، وادّعوا تحريمه على إبراهيم ، وأنّ ذلك مذكور في التوراة ، فكذّب الله قولهم فقال : (كُلُّ الطَّعامِ) أي : كلّ أنواع الطعام ، أو كلّ المطعومات. والمراد أكلها. (كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) حلالا لهم. وهو مصدر نعت به ، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع ، والمذكّر والمؤنّث ، قال الله تعالى : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ) (١).
(إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) يعقوب عليهالسلام (عَلى نَفْسِهِ) كلحوم الإبل وألبانها. قيل : كان به عرق النساء ، فنذر إن شفي لم يأكل أحبّ الطعام إليه ، وكان ذلك أحبّه إليه. وقيل : فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطبّاء. (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) أي : من قبل إنزالها مشتملة على تحريم ما حرّم عليه لظلمهم وبغيهم ، عقوبة وتشديدا.
وحاصل المعنى : أنّ المطاعم كلّها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة وتحريم ما حرّم عليهم منها لظلمهم وبغيهم ، لم يحرم منها شيء قبل ذلك ، غير المطعوم الواحد الّذي حرّمه أبوهم إسرائيل على نفسه ، فتبعوه على تحريمه.
وهذا ردّ على اليهود في دعوى براءة ساحتهم عمّا نطق به القرآن من تحريم الطيّبات عليهم ببغيهم وظلمهم ، في قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) (٢). وقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) (٣) الآيتين ، بأن قالوا : لسنا أوّل من حرّمت عليه ، وإنّما كانت محرّمة على نوح وإبراهيم ومن بعده ، حتى انتهى الأمر إلينا ، فحرّمت علينا كما حرّمت على من قبلنا. وفي منع (٤) النسخ.
فكذّبهم الله ، ثم قال : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أمر
__________________
(١) الممتحنة : ١٠.
(٢) النساء : ١٦٠.
(٣) الأنعام : ١٤٦.
(٤) عطف على قوله : في دعوى براءة ساحتهم ... قبل أسطر.