ينتفعون بكلمات الله تعالى وآياته. والظاهر أنّه كناية عن غضبه عليهم ،
لقوله : (وَلا يَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) مجاز عن الاستهانة ، فإنّ من سخط على غيره واستهان به
أعرض عنه وعن التكلّم معه والالتفات نحوه ، كما أنّ من أعتدّ بغيره يقاوله ويكثر
النظر إليه (وَلا يُزَكِّيهِمْ) ولا يثني عليهم (وَلَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ) على ما فعلوه.
قيل : نزلت هذه
الآية في ترافع كان بين الأشعث بن قيس ويهوديّ في بئر أو أرض قام ليحلف عند رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا نزلت هذه الآية نكل الأشعث واعترف بالحقّ وردّ
الأرض.
وعن ابن مسعود
قال : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أخيه
المسلّم ، لقي الله وهو عليه غضبان ، وتلا هذه الآية».
وروي مسلّم بن
الحجّاج في الصحيح بإسناده من عدّة طرق عن أبي ذرّ الغفاري عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر
إليهم ، ولا يزكّيهم ، ولهم عذاب أليم : المنّان الّذي لا يعطي شيئا إلّا منّة ،
والمنفق سلعته بالحلف الفاجر ، والمسبل إزاره» .
(وَإِنَّ مِنْهُمْ
لَفَرِيقاً) يعني : المحرّفين ، ككعب ومالك وحييّ (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) يفتلونها بقراءته ، فيميلونها عن المنزل إلى المحرّف ،
أو يعطفونها بشبه الكتاب (لِتَحْسَبُوهُ) لتظنّوه أيّها المسلمون (مِنَ الْكِتابِ) من كتاب الله المنزل على موسى عليهالسلام (وَما هُوَ مِنَ
الْكِتابِ) الضمير للمحرّف المدلول عليه بقوله : «يلوون» أي : لا
يكون ذلك المحرّف من التوراة ، ولكنّهم يخترعونه.
(وَيَقُولُونَ هُوَ
مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : ليس هذا نازلا من عند الله. وهذا تأكيد لقوله : (وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) وزيادة تشنيع عليهم وتسجيل بالكذب ، ودلالة على أنّهم
لا يعرّضون ولا يورون ، وإنّما يصرّحون بأنّه في التوراة
__________________