وإنّما قيل : ابن مريم والخطاب لها تنبيها على أنّه يولد من غير أب ، إذ الأولاد تنسب إلى الآباء ، ولا تنسب إلى الأمّ إلّا إذا فقد الأب ، وبذلك فضّلت واصطفيت على نساء العالمين.
(وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) حال مقدّرة من «كلمة». وهي وإن كانت نكرة لكنّها موصوفة. وتذكيره للمعنى. والوجاهة في الدنيا النبوّة والرئاسة على الناس ، وفي الآخرة الشفاعة وعلوّ الرتبة. (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) من الله تعالى. وهذا أيضا حال. وقيل : إشارة إلى علوّ درجته في الجنّة ، أو رفعه إلى السماء وصحبة الملائكة.
(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) في موضع الحال من «يكلّم» (وَكَهْلاً) عطف عليه ، أي : يكلّمهم حال كونه طفلا وكهلا كلام الأنبياء ، من غير تفاوت بين حال الطفوليّة وحال الكهولة الّتي يستحكم فيها العقل ، ويستنبأ فيها الأنبياء عليهمالسلام. والمهد مصدر ، سمّي به ما يمهّد للصبيّ من مضجعه. وقيل : إنّه رفع شابّا ، والمراد كهلا بعد نزوله. وذكر أحواله المختلفة المتنافية إرشاد إلى أنّه بمعزل عن الألوهيّة. (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) حال ثالث من «كلمة» أو ضميرها الذي في «يكلّم».
(قالَتْ) تعجّبا واستبعادا عاديّا ، أو استفهاما عن أنّه يكون بتزوّج أو غيره (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) القائل جبرئيل عليهالسلام ، أو الله جلّ جلاله وجبرئيل عليهالسلام حكى لها قوله تعالى (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) إشارة إلى أنّه تعالى كما يقدر أن يخلق الأشياء مدرّجا بأسباب وموادّ ، يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك.
وقوله : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) وعلم الشريعة (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) كلام مبتدأ ذكر تطييبا لقلبها ، وإزاحة لما همّها من خوف اللوم لمّا علمت أنّها تلد من غير زواج ، أو عطف على «يبشّرك» أو «وجيها». والكتاب الكتبة ، عن ابن جريج. أعطى الله عزوجل عيسى عليهالسلام تسعة أجزاء من الخطّ ، وسائر الناس جزءا. وقيل :