واعلم أنّه سبحانه لمّا ختم سورة البقرة بذكر التوحيد والإيمان افتتح هذه السورة بالتوحيد والإيمان أيضا ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) قيل : الألف إشارة إلى الآية العميمة ، واللام إلى لقاء مرحمته العظيمة ، والميم إلى محبّته القديمة. فبركة الآية في الدنيا شاملة ، ونعمة لقائه ـ الّتي هي عبارة عن نهاية قرب عباده ومنزلتهم لديه ـ إلى أرباب الخصوص واصلة ، وفيض محبّة الغير المتناهية في الدارين إلى أخصّ خواصّه حاصلة. وباقي وجوه الحروف المقطّعة مذكورة في صدر سورة البقرة ، فليطالع ثمّة.
وإنّما فتح الميم في المشهور ، وكان حقّها أن يوقف عليها ، لإلقاء حركة الهمزة عليها ، ليدلّ على أنّها في حكم
الثابت ، لأنّها أسقطت للتخفيف لا للدرج ، فإنّ الميم في حكم الوقف ، كقولهم : واحد اثنان ، لا لالتقاء الساكنين بين الياء والميم ، فإنّه غير محذور في باب الوقف. وقرأ أبو بكر بسكونها ، والابتداء بما بعدها على الأصل.
(الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وتفسيرهما في آية الكرسي (١).
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنّ اسم الله الأعظم في ثلاث سور : في البقرة (٢) : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، وفي آل عمران : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، وفي طه (٣) : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ).
(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) القرآن نجوما (٤) (بِالْحَقِ) بالعدل ، أو بالصدق في إخباره ، أو بالحجج المحقّقة أنّه من عند الله تعالى. وهو في موضع الحال. (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) جملة على موسى وعيسى
__________________
(١) راجع ص : ٤٠١.
(٢) البقرة : ٢٥٥.
(٣) طه : ١١١.
(٤) أي : متفرّقا.