والمشهور الوقف على «فيه». وبعض القرّاء يقف على «لا ريب». فلا بدّ لمن يقف عليه أن ينوي خبرا. ونظيره قوله : (لا ضَيْرَ) (١). والتقدير : لا ريب فيه ، فيه (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ). فعلى الثاني يكون (هُدىً) مبتدأ و (فِيهِ) خبره. وعلى تقدير الوقف على (فِيهِ) يكون (هُدىً) خبر مبتدأ محذوف على تقدير : هو هدى ، أو منصوبا على الحال.
والأولى أن يقال : إنّها أربع جمل مستأنفة متناسقة يقرّر اللاحقة منها السابقة ، ولذلك لم يدخل العاطف بينها. فـ (الم) جملة دلّت على أنّ المتحدّى به هو المؤلّف من جنس ما يركّبون منه كلامهم. و (ذلِكَ الْكِتابُ) جملة ثانية مقرّرة لجهة التحدّي بأنّه الكتاب المنعوت بغاية الكمال. و (لا رَيْبَ فِيهِ) ثالثة تشهد على كماله ، إذ لا كمال أعلى ممّا للحقّ واليقين. و (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) بما يقدّر له جملة رابعة تؤكّد كونه حقّا لا يدور الشكّ حوله.
والهدى مصدر على «فعل» كالسّرى ، وهو الدلالة الموصلة إلى المطلوب ، لأنّه جعل مقابل الضلالة في قوله : (لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢). ولأنّه لا يقال : مهديّ إلّا لمن اهتدى إلى المطلوب. وقد يوضع المصدر الّذي هو «هدى» موضع الوصف الّذي هو «هاد» للمبالغة.
والمتّقي في الشريعة هو الّذي يقي نفسه تعاطي ما به العقاب من فعل أو ترك. وسمّاهم عند مشارفتهم لاكتساء لباس التقوى : متّقين ، كقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : من قتل قتيلا فله سلبه ، وقوله تعالى : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) (٣) أي : صائرا إلى الفجور ، فكأنّه قال : هدى للصائرين إلى التقى. ولم يقل : هدى للضالّين ، لأنّ الضالّين
__________________
(١) الشعراء : ٥٠.
(٢) سبأ : ٢٤.
(٣) نوح : ٢٧.