(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) بعد أن أقام الحجّة على أحقّية طالوت بالملك (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) أي : الصندوق. فعلوت من التوب ، وهو الرجوع ، لأنّه ظرف توضع فيه الأشياء وتودعه ، فلا يزال يرجع إليه ما يخرج منه. وليس بفاعول ، لقلّة نحو : سلس وقلق ، ولأنّه تركيب غير معروف ، فلا يجوز ترك المعروف إليه. ويريد به صندوق التوراة ، وكان من خشب الشمشاد الّذي يتّخذ منه المشط ، ومموّها بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين.
روي عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبي جعفر عليهالسلام : «أنّ التابوت كان الّذي أنزله الله على أمّ موسى ، فوضعت فيه ابنها وألقته في البحر ، وكان في بني إسرائيل يتبرّكون به ، فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آثار النبوّة ، وأودعه إيّاه عند وصيّه يوشع بن نون ، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفّوا به ، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات ، فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ وشرف ما دام التابوت عندهم ، فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتابوت رفعه الله عنهم ، فلمّا سألوا النبيّ بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم ، ردّ الله عليهم التابوت» (١).
(فِيهِ) في إتيانه (سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) سكون لكم وطمأنينة ، أو في التابوت ، أي : مودع فيه ما تسكنون إليه ، وهو التوراة. وكان موسى عليهالسلام إذا قاتل قدّمه ، فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرّون.
وقيل : هي صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت ، لها جناحان ورأس كرأس الهرّ وذنب كذنبه ، فتئنّ فيزفّ التابوت نحو العدوّ وهم يمضون معه ، فإذا استقرّ ثبتوا وسكنوا ونزل النصر.
__________________
(١) تفسير القمّي ١ : ٨١ ـ ٨٢.