يجامعونهنّ ولا يبالون بالحيض. ووصفه بالأذى ، وترتيب الحكم عليه بالفاء ، للإشعار بأنّه العلّة في وجوب الاعتزال عنهنّ.
(وَلا تَقْرَبُوهُنَ) بالمجامعة (حَتَّى يَطْهُرْنَ) تأكيد للحكم وبيان لغايته ، وهي : أن ينقين من الحيض ، أو يغتسلن بعد الانقطاع. ويدلّ عليه قراءة حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر : يطّهّرن ، أي : يتطهّرن ، بمعنى : يغتسلن ، وقوله بعده : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) فإنّه يقتضي تأخّر جواز الإتيان عن الغسل. وقيل : توضّأن أو غسلن الفرج بعد انقطاع الدم.
وقال صاحب كنز العرفان (١) : اختلف في مدّة زمان الاعتزال وغايتها ، قال الشافعي : حتى تغتسل ، ويحتجّ بأنّه جمع بين القراءتين ، ولقوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ) فلا يجوز وطؤها حتى تطهر وتتطهّر. وقال أبو حنيفة : بالجمع بين القراءتين ، بأنّ له أن يطأها في أكثر الحيض بعد الانقطاع وإن لم تغتسل ، وفي أقلّه لا يقربها بعد الانقطاع إلا مع الاغتسال. وأمّا أصحابنا فجمعوا بينهما ، بأنّه قبل الغسل جائز على كراهية ، وبعده لا كراهية. وقال بعض أصحابنا بقول الشافعي. وليس بشيء ، لأنّ «تفعّل» قد جاء بمعنى «فعل» كالمتكبّر في أسماء الله تعالى ، وكقولك : تطعّمت الطعام ، بمعنى : طعمته.
(مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) أي : إتيانا صادرا من الجهة الّتي يحلّ أن يؤتين منها ، ولا تقربوهنّ من حيث لا يحلّ ، بأن يكنّ محرمات أو معتكفات أو صائمات. وقال الفرّاء : لو أراد الفرج لقال «في حيث» ، فلمّا قال «من حيث» علمنا أنّه أراد : من الجهة الّتي أمركم الله بها. وعن ابن عبّاس معناه : من حيث أمركم الله بتجنّبه ، وهو محلّ الحيض ، أعني : القبل. وقيل : من حيث الطهر دون الحيض. وقال محمد بن الحنفيّة : من قبل النكاح دون الفجور.
__________________
(١) كنز العرفان ١ : ٤٣ ـ ٤٥.