ثمّ بيّن سبحانه أحوال من تقدّم من الكفّار تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) متّفقين على الحقّ فيما بين آدم وإدريس أو نوح أو بعد الطوفان ، أو متّفقين على الجهالة والكفر في فترة إدريس أو نوح. والأوّل أوجه. ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس أنّه كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة الحقّ. والأمّة عبارة عن القوم المجتمعين على شيء واحد بعضهم ببعض. (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أي : اختلفوا فبعثهم الله تعالى. وعلى الوجه الثاني : فبعد بعثهم اختلف الكفّار عليهم ، وإنّما حذف لدلالة قوله : (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ).
وروي عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنّه قال : «كانوا قبل نوح أمّة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلّالا ، فبعث الله النبيّين». وعلى هذا فالمعنى : أنّهم كانوا متعبّدين بما في عقولهم ، غير مهتدين إلى نبوّة ولا شريعة ، ثمّ بعث الله النبيّين بالشرائع لما علم أنّ مصالحهم فيها.
وعن كعب الأحبار : الّذي علمته من عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفا ، والمرسل منهم ثلاث مائة وثلاثة عشر ، والمذكور في القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون.
(وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) يريد به الجنس ، ولا يريد أنّه أنزل مع كلّ واحد كتابا يخصّه ، فإنّ أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصّهم ، وإنّما كانوا يأخذون بكتب من قبلهم (بِالْحَقِ) حال من الكتاب ، أي : ملتبسا بالحقّ شاهدا به (لِيَحْكُمَ) أي : الله أو النبيّ المبعوث أو كتابه (بَيْنَ النَّاسِ) في زمانهم (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي : في الحقّ الذي اختلفوا فيه ، أو فيما التبس عليهم.
(وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) في الحقّ أو الكتاب (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أي : الكتاب المنزل لإزالة الخلاف ، أي : عكسوا الأمر ، فجعلوا ما أنزل مزيحا للاختلاف فيه ، سببا لاستحكامه (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) حسدا بينهم وظلما ،