لكلّ فريق نصيبا من جنس ما كسبوا ، ومصداقه قول الباقر عليهالسلام : «ما يقف أحد على تلك الجبال برّ ولا فاجر إلّا استجاب الله له ، أمّا البرّ فيستجاب له في آخرته ودنياه ، وأمّا الفاجر فيستجاب له في دنياه» (١).
(وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسب العباد على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمحة ، فلا يشغله حساب أحد عن حساب غيره.
وروي أنّه يحاسب الخلق في قدر حلب شاة. وروي في مقدار فواق (٢) ناقة. وعن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : معناه أنّه يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة. وقيل : معنى «سريع الحساب» أنّه يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد ، فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة.
واعلم أنّ المراد بالذكر الذكر اللساني تارة والقلبي أخرى ، لكنّ المقصود بالذات هو الثاني ، وأمّا الأوّل فترجمان للثاني ، ومنبّه للقلب عليه ، لكونه في الأغلب مأسورا في يد الشواغل البدنيّة والموانع الطبيعيّة ، وهذا هو السرّ في تكرار الأذكار والتسبيحات والتحميدات وغيرها. والأمر في هذه الأزمنة الشريفة والأمكنة المنيفة الّتي هي مظانّ الإجابة لا يقتضي انقطاعه بانقطاع المناسك ، لأنّ دلالة مفهوم المخالفة باطلة كما تقرّر في الأصول.
ولمّا كان الذكر متضمّنا للعبادات القلبيّة والتوجّهات السرّيّة إلى الله أمره به في مواضع أخر من المشاعر ، فقال : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) كبّروه في أدبار الصلوات الخمس عشرة : أوّلها الظهر يوم النحر لمن كان بمنى ، وعقيب عشر لمن كان بغيرها. وصورته : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، ولله الحمد ، الله
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٦٢ ح ٣٨ ، الوسائل ٨ : ١١٤ بـ «٦٢» من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ح ٢.
(٢) الفواق ما بين الحلبتين من الوقت ، لأنّها تحلب وتترك سويعة يرضعها الفصيل لتدرّ ثمّ تحلب.