معادنها ، والغلبة على البلدان بقتل الملوك من غير أن ينالهم مكروه وضرر ، فلمّا رأيناهم أسوء الناس حالا ، وأكثرهم مكيدة واحتيالا ، علمنا أنّهم لا يقدرون على شيء من ذلك. فأمّا ما روي من الأخبار أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سحر ، فكان يرى أنّه فعل ما لم يفعله ، أو أنّه لم يفعل ما فعله ، فأخبار مفتعلة لا يلتفت إليها ، وقد قال الله تعالى حكاية عن الكفّار : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (١) ، فلو كان السحر عمل فيه صلىاللهعليهوآلهوسلم لكان الكفّار صادقين في مقالهم ، وحاشا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من كلّ صفة نقص تنفّر عن قبول قوله ، فإنّه حجّة الله على خليقته ، وصفوته على بريّته» (٢).
(وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) إمّا عطف على «ما تتلوا» أي : واتّبعوا ما أنزل على الملكين ، أو على «السحر» أي : يعلّمون الناس ما أنزل على الملكين. والمراد بهما واحد ، والعطف لتغاير الاعتبار ، فإنّ اعتبار السحر الّذي أنزل على الملكين غير اعتبار السحر الّذي يعلّمه الناس ، أو لأنّ الثاني أقوى من الأوّل.
وهما ملكان أنزلا لتعليم السحر ، تمييزا بينه وبين المعجزة ، فإنّ السحر كان كثيرا في ذلك الوقت ، وابتلاء من الله تعالى للناس ، فمن تعلّمه منهما وعمل به كان كافرا ، ومن تجنّبه أو تعلّمه لأن لا يعمل به ولكن ليتوقّاه كان مؤمنا. ونعم ما قيل :
عرفت الشرّ لا للشرّ لكن لتوقّيه |
|
ومن لم يعرف الشرّ من الخير يقع فيه |
كما ابتلى قوم طالوت بالنهر (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) (٣).
وما روي أنّهما طعنا في بني آدم لكثرة عصيانهم ، وزكّيا أنفسهما بالعصمة والطهارة ، وافتخرا عليهم ، فلأجل هذا افتتنا فمثلا بشرين ، وركب فيهما الشهوة ،
__________________
(١) الإسراء : ٤٧ ، الفرقان : ٨.
(٢) مجمع البيان ١ : ١٧٧.
(٣) البقرة : ٢٤٩.