ثمّ عاد سبحانه إلى ذكر بني إسرائيل فقال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : واذكر إذ أخذنا ميثاق اليهود (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) وحده دون ما سواه من الأنداد. إخبار في معنى النهي ، كقوله : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (١) ، وكما تقول : تذهب إلى فلان تقول له كذا ، تريد الأمر. وهو أبلغ من صريح النهي ، لما فيه من إيهام أنّ المنهيّ سارع إلى الانتهاء ، فهو يخبر عنه. ويؤيّده قراءة عبد الله وأبيّ : لا تعبدوا ، وعطف «قولوا» عليه. ولا بدّ من إرادة القول ، أي : قلنا لهم لا تعبدون إلّا الله.
وقيل : «لا تعبدون» جواب القسم ، لأنّ أخذ الميثاق في معنى القسم ، كأنّه قيل : حلّفناهم لا تعبدون.
وقيل : معناه : أن لا تعبدوا ، فلّما حذف «أن» رفع ، كقوله :
ألّا أيّهذا الزاجري أحضر الوغى (٢)
أي : لأن أحضر الحرب ، أو على أن أحضر الحرب.
وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بالتاء ، حكاية لما خوطبوا به ، والباقون بالياء ، لأنّهم غيّب.
(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) متعلّق بمحذوف تقديره : وتحسنون ، أو أحسنوا بهما ما فرض عليكم من فعل المعروف بهما ، والقول الجميل ، وخفض جناح الذلّ لهما ، والتحنّن عليهما ، والدعاء بالخير لهما. (وَذِي الْقُرْبى) عطف على الوالدين ، أي : تحسنون بذي القربى بالصّلة والعطيّة. وهو القريب والرحم. (وَالْيَتامى) أي : باليتامى ، بأن تعطفوا عليهم بالرأفة والرّحمة. جمع يتيم ، كنديم وندامى. (وَالْمَساكِينِ) بأن تؤتوهم حقوقهم الّتي أوجبها الله عليكم في أموالكم. جمع مسكين ، مفعيل من السكون ، كأنّ الفقر أسكنه.
__________________
(١) البقرة : ٢٨٢.
(٢) لطرفة بن العبد ، كما في هامش الكشّاف ١ : ١٥٩.