(لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) ليحتجّوا عليكم بما أنزل ربّكم في كتابه. جعلوا محاجّتهم بكتاب الله وحكمه محاجّة عنده ، كما يقال : عند الله كذا ، ويراد به أنّه في كتابه وحكمه. وقيل : عند ذكر ربّكم ، أو يكون المراد : ليكون لهم الحجّة عليكم عند الله يوم القيامة في إيمانكم بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ كنتم مخبرين بصحّة أمره من كتابكم.
وقوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) من تمام كلام اللائمين ، تقديره : أفلا تعقلون أنّهم يحاجّونكم به فيحجّونكم. ويحتمل أن يكون خطابا من الله تعالى للمؤمنين متّصلا بقوله : (أَفَتَطْمَعُونَ) ، والمعنى : أفلا تعقلون حالهم وأن لا مطمع لكم في إيمانهم؟! (أَوَلا يَعْلَمُونَ) يعني : هؤلاء المنافقين ، أو اللائمين ، أو كليهما ، أو إيّاهم والمحرّفين (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) ما يخفون من الكفر ، أو ممّا فتح الله عليهم (وَما يُعْلِنُونَ) يظهرون من الإيمان والكلمات المحرّفة عن موضعه ومعانيه ، أو يعلم جميع ما يسرّون وما يعلنون ، ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان.
(وَمِنْهُمْ) من هؤلاء اليهود (أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) جهلة لا يعرفون الكتابة فيطالعوا التوراة ويتحقّقوا ما فيها ، أو التوراة (إِلَّا أَمانِيَ) استثناء منقطع ، كقوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) (١). والأمانيّ جمع أمنيّة. وهي في الأصل ما يقدّره الإنسان في نفسه من منى إذا قدّر ، ولهذا تطلق على اختلاق الكذب ، لأنّه يقدّر في نفسه ، وعلى ما يتمنّى ، لأنّ المتمنّي يقدّر في نفسه ويحرز ما يتمنّاه ، وعلى ما يقرأ ، لأنّ القارئ يقدّر أنّ كلمة كذا بعد كذا ، كقوله :
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
تمنّي داود الزبور على رسل (٢) |
والمعنى : لكن يعتقدون أكاذيب أخذوها تقليدا من المحرّفين ، أو مواعيد خالية عن الحجّة سمعوها منهم ، من أنّ الله تعالى يعفو عنهم ولا يؤاخذهم
__________________
(١) النساء : ١٥٧.
(٢) لحسّان بن ثابت ، كما في هامش الكشّاف ١ : ١٥٧. ولم نجده في ديوانه.