الّذي فرّق بينه وبين عدوّه ، كقوله تعالى : (يَوْمَ الْفُرْقانِ) (١) يريد به يوم بدر.(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لكي تهتدوا بتدبّر الكتاب والتفكّر في الآيات ، أو بما فيه من البشارة بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبيان صفته.
(وَإِذْ قالَ) واذكروا إذ قال : (مُوسى لِقَوْمِهِ) لعبدة العجل من قومه بعد رجوعه من الطور إليهم (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أضررتم بها (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلها ومعبودا (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) فاعزموا على التوبة والرجوع إلى من خلقكم براء من التفاوت في الخلق وعدم التناسب ، ومميّزا بعضكم عن بعض بصور وهيئات مختلفة. وأصل التركيب لخلوص الشيء عن غيره ، إمّا على سبيل الإنشاء كقوله : برأ الله آدم من الطين ، أو التفصّي كقولهم : برىء المريض من مرضه والمديون من دينه.
(فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بخعا (٢) كما هو الظاهر ، أو ليقتل بعضكم بعضا إتماما لتوبتكم. وقيل : أمر من لم يعبد العجل أن يقتلوا العبدة. والفاء الاولى للتسبيب ، لأنّ الظلم سبب التوبة ، والثانية للتعقيب لأنّ المعنى : فاعزموا على التوبة فبعد ذلك اقتلوا أنفسكم.
روي أنّ الرّجل كان يبصر ولده وقريبه فلم يمكنه إمضاء أمر الله للشفقة والمرحمة ، فأرسل الله عليهم ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون تحتها ، فأخذوا يقتلون من الغداة إلى المساء ، حتى دعا موسى وهارون وقالا : يا ربّ هلكت بنو إسرائيل البقية البقية ، فكشفت الضبابة ونزلت التوبة ، فسقطت الشفار من أيديهم ، وكانت القتلى سبعين ألفا.
(ذلِكُمْ) إشارة إلى التوبة مع القتل : (خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) من إيثار الحياة
__________________
(١) الأنفال : ٤١.
(٢) بخع نفسه : قتلها غيظا أو غمّا. (لسان العرب ٨ : ٥)