مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

وعلى هذا يمكن منع الإجماع ، ولكنّه خلاف الأصل. ودفعه بالتعليل عليل ؛ لما يأتي من إجماله.

ومن ذلك يظهر أنّه يتّجه اشتراط فقد العدلَين من المسلمين ، اللذَين يعرف الوارث أو الحاكم عدالتهما ، أو يمكن إثباتها ، وكذا العدلَين اللذَين يمكنهما تحمّل الشهادة والأداء ، فلا يكفي في عدم القبول وجود الأصمّين اللذَين لا يسمعان الشهادة ، أو الأخرسَين الغير المتمكّنين من الأداء ، والبعيدين اللذَين لا يمكنهما أداء الشهادة على الوارث.

ومنه ظهر أيضاً أنّه لا يكفي في عدم القبول كون أحد المسلمَين العدلَين الموصى له ، أو من لا تقبل شهادته في حقّه.

وهل يكفي المسلمان اللذان أحدهما عدل ، على القول بقبول شاهدٍ واحدٍ مع اليمين في عدم قبول شهادة الذمّيين؟

مقتضى قوله : « يشهدهما » (١) : لا ، وإن لم يجر التعليل هنا ، بل يمكن إثبات الحكم بكلٍّ من الذمّيين والشاهد واليمين.

ولو كان هناك مسلمان عدلان وذمّيّان كذلك ، فسمع الجميع الشهادة ، ومات المسلمان أو أحدهما قبل الأداء ، أو فسق ، أو جن ، لم تقبل شهادة الذمّيين ؛ للأصل ، وعدم شمول الإطلاقات لمثل ذلك.

ولو كان حاكمٌ من المسلمين غير نافذ الحكم على الوارث تقبل شهادة الكافر ؛ للتعليل ، بل الإطلاق.

ولو كان نافذ الحكم متمكّناً منه ، ففي قبول شهادة الكافر عند حاكمٍ آخر إشكال ، وكذا في قبولها مع وجود أربع مسلمات ، والظاهر القبول وإن أمكن الإثبات بنوعٍ آخر.

__________________

(١) في صحيحة أحمد بن عمر ، المتقدّمة في ص ٣٦.

٤١

ومنها : أن يكون فقد المسلم حال تحمّل الشهادة والاستشهاد ؛ للأصل ، وللأخبار المتقدّمة ، فلا تقبل مع وجوده حينئذٍ وإن فُقِدَ حال الأداء.

ومنها : الضرورة ، فإنّه قيّد الشيخ في النهاية القبول بالضرورة ، وكذلك صاحب المفاتيح (١) وبعض المعاصرين من مشايخنا (٢).

وقيّد في شرح المفاتيح بالضرورة وفقد العدلَين المسلمَين.

فإن كان المراد بالضرورة : عدم إمكان إشهاد الغير ممّن تقبل شهادته ، فهو كذلك ، ولكن قيد فقد المسلم يغني عنه.

وإن كان لزوم الوصيّة كأن يوصي بحقٍّ لازم فلا دليل على اشتراطه.

ولا يتوهّم أنّ التعليل المتقدّم يثبته ، فإنّ مقتضاه الاختصاص بالحقوق اللاّزمة الأداء ؛ لأنّ في التعليل إجمالاً لا يصلح بانفراده للاستناد ـ كما يأتي وإن ذكرناه مع غيره تأييداً ؛ مع أنّ للموصي أيضاً حقّا في ماله ، كما ورد في الأخبار : إنّ الإنسان أحقّ بماله ما دام حيّاً (٣) ، فيجري التعليل في غير الحقوق اللاّزمة أيضاً.

ومنها : أن يكون الكافران من أهل الكتاب أو شبهه ؛ للإجماع ، ولصحيحة أحمد ، وروايتي يحيى وحمزة (٤) ، الدالّة كلّها على الحصر ، وبها تقيّد إطلاقات الآية (٥) والأخبار (٦).

__________________

(١) النهاية : ٦١٢ ، المفاتيح ٣ : ٢٣٠.

(٢) كصاحب الرياض ٢ : ٦٤.

(٣) انظر الوسائل ١٩ : ٢٩٦ أبواب أحكام الوصايا ب ١٧.

(٤) المتقدمة جميعاً في ص ٣٥ و ٣٦.

(٥) المائدة : ١٠٦.

(٦) انظر الوسائل ٢٧ : ٣٨٩ أبواب الشهادات ب ٤٠.

٤٢

ومنها : أن يكونا اثنين فصاعداً ؛ لصريح الآية ، والأخبار الثلاثة المذكورة (١) ، والظاهر أنّه أيضاً إجماعي.

وهل تقبل شهادة مسلمٍ عدل وذمّي كذلك ، أم يشترط الذمّيّان؟

الظاهر الأخير ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصّ. ودعوى الأولويّة ممنوعة ؛ لعدم معلوميّة العلّة.

فإن قيل : العلّة بالنصّ معلومة ، وهي عدم صلاحيّة ذهاب حقّ أحد.

قلنا : هذا على فرض ثبوت حقّ لأحد ، والكلام بعدُ فيه ، وأيضاً للوارث حقّ ، فلعلّ في القبول ذهاب.

ومنها : أن يكونا ذكرين ؛ للآية ، والأخبار ، والأصل ، فلا تقبل شهادة أربع ذمّيّات.

ومنها : أن يكونا عدلَين في مذهبهما ، ذكره أكثر الأصحاب (٢) ، بل قيل : لا خلاف فيه أجده (٣).

واستدلّ له بالآية ، حيث فسّرت بأنّ معنى ( أَوْ آخَرانِ ) أي اثنان ذوا عدلٍ من غيركم (٤). وفيه نظر.

ويستدلّ (٥) أيضاً برواية حمزة المتقدّمة ، وهي دالّةٌ على اشتراط كونهما مرضيّين. والظاهر أنّ المرضيّ أعمّ من العادل.

__________________

(١) في ص ٣٦.

(٢) منهم المفيد في المقنعة : ٧٢٧ ، والحلبي في الكافي في الفقه : ٤٣٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٠١ ، والكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٧٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٧٩.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٦٤.

(٤) كما في المسالك ٢ : ٤٠١.

(٥) كما في كشف اللثام ٢ : ٣٧٠.

٤٣

والتحقيق : أنّه إن قلنا بتحقّق العدالة في غير المسلم ـ كما هو الظاهر فيثبت المطلوب بأخبار اشتراط العدالة في الشاهد (١) ، وإلاّ فالمراد ليس إلاّ كونهما مرضيّين عند أصحابنا ، فيثبت المطلوب بالرواية المذكورة.

ومنها : أن يكون الموصي في السفر عرفاً أي في أرض غربة اعتبره جماعة ، كصريح المحكيّ عن الإسكافي والحلبي (٢) ، وظاهر المبسوط والغنية (٣) ، بل قيل : ربّما يفهم من الأخيرين كونه إجماعيّاً (٤).

لمفهوم الشرط في الآية ، وغير الأُوليين من الأخبار المتقدّمة ، بل دلالة روايتي يحيى وحمزة وصحيحة أحمد على الحصر.

خلافاً للمحكيّ عن أكثر المتأخّرين (٥) ، بل عامّتهم كما قيل (٦) ، بل الأكثر مطلقاً ، وظاهر كثير من القدماء ، كالشيخين في المقنعة والنهاية والعماني والديلمي والقاضي والحلّي (٧) ، بل قيل : وربّما ظهر من الشرائع والتحرير انعقاد الإجماع عليه ، حيث قالا : وباشتراط الغربة رواية مطرحة (٨).

لظاهر التعليل المتقدّم ، أي مراعاة الحقّ عن الذهاب ، الموجودة في‌

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٢٢ ، الحلبي في الكافي : ٤٣٦.

(٣) المبسوط ٨ : ١٨٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٤) الرياض ٢ : ٤٢٦.

(٥) كالعلاّمة في التحرير ٢ : ٢٠٨ ، والشهيد في الدروس ٢ : ١٢٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٢٨.

(٦) في الرياض ٢ : ٤٢٦.

(٧) المقنعة : ٧٢٧ ، النهاية : ٣٣٤ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٧٢٢ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٢ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٢٠ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٣٩.

(٨) انظر الرياض ٢ : ٤٢٦.

٤٤

غير السفر أيضاً.

وإطلاق صحيحة ضريس وموثّقة سماعة ، الخاليتين عن المخصّص والمقيّد ، سوى مفهومي الحصر والشرط المتقدّمين ، وهما ضعيفان ؛ لورودهما مورد الغالب.

ويردّ الأول بما مرّ من الإجمال ؛ لأنّه إن أُريد من الحقّ الحقّ المعلوم فهو ليس بمعلوم ؛ إذ ليس محلّ النزاع ما إذا حصل العلم من قول الشاهدين ؛ لأنّ اعتباره حينئذٍ لا يشترط بشي‌ءٍ من العدد والعدالة والذمّيّة والوصيّة ، بل هو في صورة عدمه ، فمن أين يعلم الحقّ؟! ولو تمّ ذلك لجرى في كلّ دعوى لا شاهد عليها أصلاً أن يقال : يسمع قول المدّعى لئلاّ يذهب حقّه.

وإن أُريد الحقّ المحتمل فيحتمل عدم تحقّق الوصيّة وذهاب حقّ الوارث بالقبول أيضاً.

والثاني بالتقييد بما استدلّ به الأولون ، وردّه بوروده مورد الغالب يَرِدُ على الإطلاق أيضاً ، فلينصرف هو أيضاً إلى الغالب ، ويرجع إلى الأصل.

مع أنّ الغلبة المدّعاة في زمان صدور نزول الآية بل صدور الأخبار ممنوعة ؛ لجواز كون مسلمين كثيرين متوطّنين في مواضع يقلّ فيه المسلم.

مع أنّ هذا الحكم لا يختصّ بالمسلم حتى تُدّعى الغلبة ، بل تقبل شهادة الذمّيين في الوصيّة على مثله وغيره من أصناف الكفّار.

ومنها : أن يحلف الذمّيان الشاهدان بالصورة المذكورة في الآية ، اعتبره الفاضل في التذكرة (١) ، وجعله في المسالك أولى (٢) ؛ لدلالة الآية‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٢١.

(٢) المسالك ٢ : ٤٠١.

٤٥

عليه ، وعدم منافاة عمومات النصوص له.

وأُورد عليه بأنّ الآية مخصوصةٌ بصورة الارتياب ، فلا تدلّ على الإطلاق كما ذكروه.

ويمكن أن يقال : إنّه ما لم يحصل العلم فالارتياب متحقّق ، وحصول العلم من شهادتهما إمّا غير متحقّق أو نادر.

ومنها : أن تكون في الوصيّة إجماعاً ؛ ووجهه ظاهر ، فلا تقبل في غيرها ولو استشهد به حال حضور موت المستشهد.

فلو أقرّ حينئذٍ بدينٍ أو حقٍّ لازمٍ وأوصى بأدائه لا يثبت الحقّ بشهادة الكافرين ، بل تثبت وصيّته بالأداء ، ويجب على من اوصي إليه بأدائه الأداء بعد ثبوت الحقّ بشهادة المسلم.

ولو قال : لفلان عليّ حقّ كذا فأدّوه ، يتوقّف وجوب الأداء على الوصيّ بعد ثبوت الحقّ.

ومنها : أن تكون في الوصيّة بالمال خاصّة ، فلا تثبت بشهادتهما الولاية على الصغير المعبّر عنها بالوصاية ، اعتبره جماعة (٣) ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده ، قال المحقّق الأردبيلي : وتشعر به بعض الروايات.

أقول : لم أظفر على تلك الرواية المشعرة بذلك ، ويمكن أن يكون نظره إلى الروايات المتضمّنة للتعليل المتقدّم ؛ حيث إنّ ذهاب الحقّ يكون في الوصيّة بالمال.

وفيه : أنّ الولاية أيضاً حقٌّ للوصي ، بل تسليط الوصيّ على الصبيّ‌

__________________

(٣) كما في السرائر ٢ : ١٣٩ ، والتحرير ٢ : ٢٠٨ ، والتنقيح ٤ : ٢٨٧ ، والرياض ٢ : ٤٢٦.

٤٦

أيضاً حقّ للموصي.

وبالجملة : الوصيّة في النصوص مطلقة ، وللقسمين شاملة ، وتفرقة بعض المتشرّعة بينهما بتسمية أحدهما وصيّة والآخر وصاية لا يوجب حصول حقيقة شرعيّة لها.

الرابع : الإيمان بالمعنى الأخص.

أي كونه من الفرقة الناجية الاثني عشرية ، واشتراطه هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل عن جماعة منهم : صاحب المهذّب والتنقيح والمسالك والصيمري والأردبيلي الإجماع عليه (١)

ويدلّ عليه الأصل المتقدّم.

ولا تفيد عمومات قبول شهادة المسلم أو من ولد على الفطرة أو العادل (٢) إن قلنا بتحقّق العدالة في المخالف أيضاً ؛ لمعارضتها مع روايتي السكوني (٣) المنجبرتين ، المتضمّنتين لعدم قبول شهادة كلّ ذي مخزيةٍ في الدين ، المعتضدتين بما في الأخبار من أنّهم شرٌّ من اليهود والنصارى ومن الكلاب ، وباشتراط كون الشاهد مرضيّاً كما مرّ في المغفّل بل هو بنفسه دليلٌ بالتقريب المتقدّم فيه.

وقد يقال أيضاً بعدم شمول الإطلاقات والعمومات لغير المؤمن بحكم التبادر وغيره (٤).

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٢٨٧ ، المسالك ٢ : ٤٠١ ، وحكاه عنهم في الرياض ٢ : ٤٢٦.

(٢) كما في الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١.

(٣) المتقدّمتين في ص ٢٧.

(٤) كما في الرياض ٢ : ٤٢٦.

٤٧

وفيه منعٌ ظاهر.

وبخروج غير المؤمن من نحو « رجالكم » و « ترضون » من الخطابات الشفاهيّة المختصّة بالموجودين في زمن الخطاب ، ولم يكن المخالف موجوداً فيه.

وفيه ما فيه ، فإن الموافق أيضاً كذلك ، إلاّ قليل من أرباب السرّ.

وقد تخصّص الإطلاقات أيضاً بقوله سبحانه ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ ) (١) بضميمة ما ورد في تفسير الإمام في تفسيره (٢).

وقد عرفت ما فيه أيضاً.

وقد يستدلّ (٣) لعدم قبول شهادة المخالفين بالأخبار المتكثّرة المصرّحة بكفرهم ، فلا تشملهم عمومات قبول شهادة المسلم.

وبتعميمهم ما دلّ على ردّ شهادة الكافر ؛ لأنّ بها يثبت إمّا كفرهم حقيقةً كما هو رأي كثير من قدماء الأصحاب فيخرجون عن عنوان المسلم ، أو مشاركتهم للكفّار في الأحكام ، التي منها عدم قبول الشهادة.

وفيه : منع ثبوت الكفر الحقيقي لهم ، كما ثبت في موضعه.

ومنع دلالة إطلاق الكافر عليهم على مشاركتهم لهم في جميع الأحكام ؛ لما بيّن في الأُصول من أنّ الشركة المبهمة لا تفيد العموم.

وقد يستدلّ (٤) أيضاً بآية النبإ (٥) ، وسائر ما يدلّ على ردّ شهادة الفاسق ؛ ولا شكّ في فسقهم ؛ لحكمهم بالباطل وبغير ما أنزل الله ، ( وَمَنْ

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

(٢) راجع ص ٢٤ و ٢٦.

(٣) كما في الرياض ٢ : ٤٢٦.

(٤) كما في الشرائع ٤ : ١٢٦.

(٥) الحجرات : ٦.

٤٨

لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (١) ، وقد ورد في أخبار العترة : أنّهم الفسّاق (٢) ، وأيّ فسقٍ أعظم من اعتقادهم الفاسد ، الذي هو من أكبر الكبائر؟!

وفيه ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من أنّ الفسق إنّما يتحقّق بفعل المعصية مع عدم اعتقاد كونه طاعة (٣).

ورُدّ تارةً : بأنّ مع ذلك الاعتقاد وإن لم يكن فاسقاً حقيقةً ولكنّه يصدق عليه عرفاً (٤).

وأُخرى : بأنّ معه وإن لم يكن فاسقاً عرفاً حيث إنّ المتبادر منه مدخليّة الاعتقاد في مفهومه ولكنّه فاسقٌ لغةً وشرعاً ؛ لعدم مدخليّة الاعتقاد فيه عليهما (٥).

ويرد على الأول : بأنّ ألفاظ الكتاب والسنّة تحمل على المعاني الحقيقيّة دون عرفيّة ذلك الزمان ، وإن أراد عرف زمان الشارع فممنوع جدّاً.

وعلى الثاني : أنّ الفسق في اللغة والشرع ليس موضوعاً للأعمال المخصوصة مطلقاً ولذا لا يقال بفسق شارب الخمر دواءً أو جبراً ، وكذا مفطر الصيام ونحوه بل للخروج عن طاعة الله ، وهو لا يتحقّق إلاّ بالعلم بالنهي ، فكيف مع اعتقاد الأمر؟! ولو لم يكن كذلك لزم فسق جميع المجتهدين ومقلّديهم ، إلاّ واحداً غير معيّن ؛ لأنّ حكم الله الحقيقي ليس إلاّ واحداً ، والمخالفة في الفروع أيضاً تجاوزٌ عن الحدّ ، وكون كلّ مجتهدٍ‌

__________________

(١) المائدة : ٤٧.

(٢) انظر الوسائل ٢٧ : ٣٧٣ أبواب الشهادات ب ٣٠.

(٣) المسالك ٢ : ٤٠١.

(٤) انظر كفاية الأحكام : ٢٧٩.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٤٢٦.

٤٩

مكلّفاً بما أدّى إليه نظره يجري في الأُصول أيضاً ؛ لمشاركة الدليل.

فالمناط في ردّ شهادة المخالف هو الإجماع والأصل.

ولا تعارضهما صحيحة ابن المغيرة : رجل طلّق امرأة وأشهد شاهدين ناصبيّين ، قال : « كلّ من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح من نفسه جازت شهادته » (١).

إذ لم يصرّح فيها بقبول شهادة الناصبي ، بل عدل عنه إلى ما عدل ، ولا يعلم أنّ الناصبي مولودٌ على الفطرة ؛ لأنّه كافرٌ بالإجماع بالكفر المقابل للإسلام ، وليس معروفاً بالصلاح ؛ لأنّه ضدّ الفساد ، وأيّ فسادٍ أكبر من عداوة من صرّح الكتاب العزيز بوجوب مودّته؟! ولو سلّم فغاية الجواب : العموم المعارض مع ما مرّ ، اللاّزم رفع اليد عنه والرجوع إلى الأصل.

ثم إنّ في حكم المخالف كلّ ما خالف الشيعة في العقائد الحقّة الثابتة بالضرورة من أئمّتهم الأطياب ، ممّا يوجب الخزي في الدين ، والله الموفّق والمعين.

الخامس : العدالة.

والكلام فيها إمّا في اشتراطها في الشاهد ، أو بيان حقيقتها وما تتحقّق به وما تعرف به ، أو فيما يسقطها من خصوص المعاصي ، أو في كيفيّة البحث عنها في الشاهد ، فهاهنا أربعة أبحاث‌ :

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٨ ، ٨٣ ، التهذيب ٦ : ٢٨٣ ، ٧٧٨ ، الإستبصار ٣ : ١٤ ، ٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٣ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٥.

٥٠

البحث الأول

في بيان اشتراطها في الشاهد‌

وهو ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الكفاية (١) بل هو مجمعٌ عليه ، وصرّح بالإجماع أيضاً جماعة ، منهم : المحقّق الأردبيلي والشهيد الثاني وصاحب المفاتيح وشارحه (٢) ، بل ادّعى الأخيران وبعض مشايخنا المعاصرين الضرورة الدينيّة عليه (٣) ؛ ويدلّ على الإجماع تطابق كلمات القدماء والمتأخّرين على اعتبارها فيه من غير نقل خلاف.

وأمّا ما في كلام بعض القدماء من كفاية ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق (٤) فليس مراده نفي اشتراط العدالة ، ولا أنّه هو العدالة كما قد يتوهّم ، بل مراده أنّ الأصل فيه العدالة ، لا بمعنى أنّ العدالة أصلٌ بالنسبة إلى الفسق ، بل بمعنى أنّ القاعدة الثابتة من الشرع الحكم بثبوت العدالة فيه ، نظير الذبائح في سوق المسلمين والجلود في أيديهم ، فإنّ التذكية فيها وإن كانت شرطاً ضرورة ، وكانت على خلاف الأصل أيضاً ، إلاّ أنّ القاعدة الشرعيّة : الحكم فيما يؤخذ عن المسلم بالتذكية.

ويكشف عمّا ذكرنا من أنّ مرادهم ليس نفي اشتراط العدالة أنّ ممّن ينسب إليه كفاية ظاهر الإسلام : الإسكافي والمفيد والشيخ في الخلاف ، وصرّح كلٌّ منهم باشتراطها.

__________________

(١) الكفاية : ٢٧٩.

(٢) الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٠١ ، المفاتيح ٣ : ٢٧٨.

(٣) كما في الرياض ٢ : ٤٢٧.

(٤) كما في الاستبصار ٣ : ١٤ ، والمبسوط ٨ : ١٠٤ ، وحكاه في المختلف : ٧٠٤ ٧٠٥.

٥١

قال الأول : لو كانت بيّنة المدّعى من لا يعرف الحاكم عدالتها ، فرّق بينهم ، ويسمع من غير محضر المدّعى عليه ، ثم سأله عنهما ، فإن زكّاهما عليه أنفذ القاضي الشهادة عليه ، وإن جرح المطلوب الشاهدين سأل القاضي في السرّ والعلانية ، وقال لمدّعي الجرح : ثبّت جرحك ، وأنفذ القاضي نفسين بالمسألة ، فإن عدلت البيّنة ولم يثبت المدّعى عليه جرحه أنفذ الحاكم عليه ، وإن رجع مَن وجّه الحاكم لا بجرحٍ ولا تعديل كانت الشهادة ساقطة (١). انتهى.

وقال الثاني : إذا شهد عند الحاكم من لا يخبر حاله ولم تتقدّم معرفته ، وكان الشاهد على ظاهر العدالة ، كتب شهادته ثم ختم عليها ، ولم ينفذ الحكم بها حتى يثبت أمره ويتعرّف أحواله ، فإن عرف له ما يوجب جرحه أو التوقّف في شهادته لم يمض الحكم بها ، وإن لم يعرف شيئاً ينافي عدالته وإيجاب الحكم لم يتوقّف (٢). انتهى.

وقال الثالث : إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما ولا يُعرَف منهما جرحٌ حكم بشهادتهما ، ولا يقف على البحث ، إلاّ أن يجرح المحكوم عليه ، فحينئذٍ يجب عليه البحث ، وبه قال أبو حنيفة في الأموال والنكاح والطلاق والنسب ، وإن كانت في قصاصٍ أو حدٍّ لا يحكم حتى يبحث عن عدالتهما ، ومنع الشافعي وأبو يوسف ومحمّد من الحكم حتى يبحث عنهما.

دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً الأصل في المسلم العدالة ، والفسق طارٍ عليه ، وأيضاً يعلم أنّه ما كان البحث في أيّام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٠٥ وفيه : .. وإن رجع اللذان وجّه بهما الحاكم بجرحٍ وتعديل كانت الشهادة ساقطة.

(٢) المقنعة : ٧٣٠.

٥٢

ولا أيام الصحابة ، ولا التابعين ، وإنّما هو شي‌ء أحدثه شريك بن عبد الله القاضي ، فلو كان شرطاً ما أجمع أهل الأعصار على تركه (١). انتهى.

فإنّ كلام الأولَين صريحٌ في اشتراط العدالة ، ويظهر من قول الثالث : وأيضاً الأصل في المسلم العدالة ذلك أيضاً ، وإلاّ لم يكن لذلك الاستدلال وجه.

وأمّا ما ذكرنا من أنّ مرادهم ليس أنّ العدالة هو ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق فيأتي بيانه ، وإن كان يستفاد من ظاهر كلام بعضهم أنّه حَمَلَ كلامهم أنّ مجرد ذلك هو العدالة (٢).

وربّما يشعر بما ذكرنا من الأمرين أنّ جماعة من الفقهاء عنونوا عنوانين :

أحدهما : مسألة وجوب البحث عن العدالة وعدمها.

والثاني : اعتبار العدالة في الشاهد وبيان معناها.

وذكروا الأول في كتاب القضاء ، وجعلوه من آداب القاضي ، ونسبوا الخلاف فيه إلى من يحكى عنه كفاية ظاهر الإسلام.

وذكروا الثاني في كتاب الشهادات ، وادّعوا عليه الإجماع ، ولم ينسبوا الخلاف فيه إلى أحد.

ويدلّ على الأمرين أيضاً ما ذكره الشيخ في الاستبصار ، حيث إنّه ـ بعد نقل رواية ابن أبي يعفور نقل مرسلة يونس المتضمّنة للأمر بالأخذ بظاهر الحال في خمسة أشياء ، ثم ذكر أنّه لا منافاة بينهما ؛ لأنّ المراد من الثانية : عدم وجوب الفحص والتفتيش ، ومن الاولى : بيان ما تتحقّق به‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٥٩١.

(٢) المسالك ٢ : ٣٦١.

٥٣

العدالة وما يقدح فيها واقعاً وإن لم يلزم التفتيش عنها (١).

نعم ، ظاهر كلام الفاضل في المختلف يفيد أنّه فهم منهم عدم اشتراط العدالة ، حيث إنّه بعد ما نقل عبارات الأصحاب ممّن يكتفي بظاهر الحال ومن لا يكتفي به قال : والمعتمد اشتراط العدالة ؛ لنا : إلى آخر ما قال (٢).

وظاهر ما استدلّ به أيضاً إثبات اشتراط العدالة ، والظاهر أنّ مراده أيضاً ما ذكرنا ، وأراد من اشتراط العدالة اشتراط العلم بها بنفسها ، وعدم كفاية ظاهر الإسلام في الحكم.

وكيف كان ، فيظهر للمتتبّع اتّفاق الأصحاب كلاًّ على اشتراطها وتحقّق الإجماع عليه ، فهو الأصل فيه ، مع الكتاب ، والسنّة.

أمّا الأول : فقوله سبحانه ( اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (٣).

وقوله تعالى شأنه ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ ) (٤).

وقوله عزّ جاره ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ ) (٥).

ويتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

وأمّا الثانية : فكثيرةٌ جدّاً ، بل متواترة ، منها : صحيحة ابن أبي يعفور ، وفيها : بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم (٦)؟ دلّت بالمفهوم على عدم القبول بدون معرفة العدالة.

__________________

(١) الاستبصار ٣ : ١٣ ١٤.

(٢) المختلف : ٧٠٥.

(٣) المائدة : ١٠٦.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) الطلاق : ٢.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٤ ، ٦٥ ، التهذيب ٦ : ٢٤١ ، ٥٩٦ ، الإستبصار ٣ : ١٢ ، ٣٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١.

٥٤

ومرسلة يونس : « استخراج الحقوق بأربعة وجوه : شهادة رجلين عدلين » الحديث (١).

ورواية أبي حمزة : « أحكام المسلمين على ثلاثة : شهادة عادلة » (٢) الخبر.

وصحيحة البجلي : « لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً » (٣).

وفي صحيحته الأُخرى الطويلة الواردة في قضاء شريح في درع طلحة ـ : « وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً » (٤).

ورواية محمّد في شهادة المملوك : « إذا كان عدلاً فهو جائز الشهادة » (٥).

ورواية جابر : « شهادة القابلة جائزة على أنّه استهلَّ أو برز ميّتاً إذا سُئِلَ عنها فعدلت » (٦).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٦ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ، ٥٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ٤٣٢ ، ٢٠ ، التهذيب ٦ : ٢٨٧ ، ٧٩٦ ، وفيهما : عن الحسين بن ضمرة ، عن أبيه ، عن جدّه ؛ وفي الخصال : ١٥٥ ، ١٩٥ ، والوسائل ٢٧ : ٢٣١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١ ح ٦ : عن ضمرة بن أبي ضمرة ، عن أبيه ، عن جدّه.

(٣) الكافي ٧ : ٣٨٩ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٨ ، ٦٣٤ ، الإستبصار ٣ : ١٥ ، ٤٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٥ أبواب الشهادات ب ٢٣ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٨٥ ، ٥ ، الفقيه ٣ : ٦٣ ، ٢١٣ وفيه : وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام .. ، التهذيب ٦ : ٢٧٣ ، ٧٤٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٤ ، ١١٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢٦٥ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٤ ح ٦.

(٥) الكافي ٧ : ٣٨٩ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٨ ، ٦٣٣ ، الإستبصار ٣ : ١٥ ، ٤١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٥ أبواب الشهادات ب ٢٣ ح ٣.

(٦) التهذيب ٦ : ٢٧١ ، ٧٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٢ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣٨.

٥٥

وفي صحيحة حمّاد بن عثمان : « ولا يقبل في الهلال إلاّ رجلان عدلان » (١).

وفي صحيحة محمّد : « ولم يجز في الهلال إلاّ شاهدَي عدل » (٢).

وفي رواية داود الطويلة : « لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلاّ شهادة رجلين عدلين » (٣).

ومكاتبة الصفّار الصحيحة ، وفيها : « إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين » (٤).

ومرسلة الفقيه ، وفيها : « وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجلٍ واحد » (٥).

وفي صحيحة الحلبي الواردة في جمّالٍ استكري لحمل زيت ، فادّعى أنّه انخرق بعض الزقاق وأُهرق ما فيه ـ : « لا يصدّق إلاّ ببيّنة عادلة » (٦).

ورواية مسمع بن عبد الملك : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يحكم في‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ٩٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٥ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٧.

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٦ ، ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٧٢ ، ٧٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٢ ، ١٠٨ ، الوسائل ٢٧ : ٢٦٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ٩٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦١ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣٦.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٤ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٣ ، ١٤٧ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ ، ٦٢٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ أبواب الشهادات ب ٢٨ ح ١.

(٥) الفقيه ٣ : ٤١ ، ١٣٥ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠٤ أبواب الشهادات ب ٤٤ ح ٥.

(٦) الكافي ٥ : ٢٤٣ ، ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٢ ، ٧١٠ ، التهذيب ٧ : ٢١٧ ، ٩٥٠ ، الوسائل ١٩ : ١٤٨ في أحكام الإجارة ب ٣٠ ح ١.

٥٦

زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيّان وشهد له ألف بالبراءة جازت شهادة الرجلين وأبطل شهادة الألف ؛ لأنّه دين مكتوم » (١).

ورواية الشحّام الواردة في مثل الواقعة أيضاً وفيها : « فلا يقبل إلاّ ببيّنة عادلة » (٢).

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة الواردة في الموارد المتشتّتة. واختصاص بعضها ببعض الشهود كالمملوك أو القابلة وبعض آخر ببعض الموارد ـ كالاستهلال أو الهلال أو الوصيّة أو نحوها غير ضائر ؛ لعدم القول بالفصل قطعاً.

وقد يستدلّ أيضاً بالأخبار المتقدّمة المتضمّنة لاشتراط الصلاح ، أو المعروفيّة به ، أو كونه عفيفاً صائناً ، أو مأموناً ، أو خيّراً ، أو مرضيّاً ، سيّما بضميمة ما مرّ في تفسيره نقلاً عن تفسير الإمام (٣).

وبالأخبار المتضمّنة لاشتراط التوبة في القبول إذا صدر منه ذنب (٤).

وبالأخبار المتقدّمة في كتاب القضاء ، المتضمّنة لاعتبار الأعدليّة (٥) ، والرجوع إلى القرعة مع التساوي.

وبالأخبار المتضمّنة لردّ شهادة الفاسق (٦) ، المثبتة لاشتراط عدمه ، المستلزم لاشتراط العدالة ، وعليه فتكون آية النبإ (٧) أيضاً دليلاً.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٤ ، ٩ ، التهذيب ٦ : ٢٧٨ ، ٧٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٤١٠ أبواب الشهادات ب ٥١ ح ١ ، بتفاوتٍ يسير.

(٢) التهذيب ٧ : ١٢٩ ، ٥٦٤ ، الوسائل ١٩ : ١٤٨ أبواب أحكام الإجارة ب ٣٠ ذ ح ١.

(٣) راجع ص ٢٤ و ٢٦.

(٤) انظر الوسائل ٢٧ : ٣٨٣ و ٣٨٥ أبواب الشهادات ب ٣٦ و ٣٧.

(٥) انظر الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١.

(٦) انظر الوسائل ٢٧ : ٣٧٣ أبواب الشهادات ب ٣٠.

(٧) الحجرات : ٦.

٥٧

ويمكن المناقشة في الأولَين : بعدم معلوميّة اتّحاد الصلاح اللغوي والعدالة واستلزامه لها وإن أمكن القول باتّحاد العرفي واستلزامه لها ، وإرادة العرفي غير معلومة.

وفي الأربعة المتعقّبة لهما : باحتمال أعميّة الأوصاف المذكورة من العفّة والصيانة والائتمان والخيريّة وكونه مرضيّاً من العدالة ، وإن احتمل إرادة ما يساوق العدالة أيضاً ، كالعفيف من محارم الله ، والصائن نفسه معها ، والمأمون في تديّنه ، والمرضيّ كذلك.

وفي أخبار قبول شهادة التائب : بمثل ذلك أيضاً ؛ إذ ليس كلّ تائبٍ عن الذنب بعادل ، سيّما إذا لم يسبق ذنبه بالعدالة.

وفي أخبار الأعدليّة : بعدم الدلالة.

وفي أخبار الفسق : بأنّها إنّما تتمّ على انتفاء الواسطة بين العلم بالفسق والعدالة ، وهو محلّ نظرٍ ومناقشة ، كما بيّنا في المناهج.

فالأولى الاكتفاء في الاستدلال بما ذكرنا وأمثالها ، وهي كافية في المطلوب ، سيّما مع مطابقة الكتاب ، وموافقة الإجماع ، والمعاضدة بالعقل والاعتبار.

ولا تعارض هذه الأخبار الأخبار المشار إليها المتضمّنة للصلاح والعفّة والائتمان والارتضاء ، وكفاية تلك الأوصاف في قبول الشهادة لما عرفت من احتمال أن يكون المراد منها ما يساوق العدالة.

نعم ، الظاهر أنّه تعارضها بعض الأخبار المتضمّنة للفظ « الخير » كصحيحة محمّد : عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة ، ثم يسلم الذمّي ويعتق العبد ، أتجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه؟ قال : « نعم ، إذا‌

٥٨

عُلِمَ منهما بعد ذلك خيرٌ جازت شهادتهما » (١).

وفي المرويّ في تفسير الإمام عليه‌السلام في بيان كيفيّة حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أقبل على المدعى عليه وقال : ما تقول فيهما؟ فإن قال : ما عرفت إلاّ خيراً ، غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ ، أنفذ عليه شهادتهما » (٢) ، فإنّ معلوميّة خير منهما لا ينافي عدم عدالتهما.

وكذا تعارضها أخبار قبول شهادة التائب ، كرواية السكوني : « ليس يصيب أحدٌ حدّا فيقام عليه ثم يتوب إلاّ جازت شهادته » (٣).

وصحيحة القاسم بن سليمان : عن الرجل يقذف الرجل ، فيجلد حدّا ، ثم يتوب ، ولا يعلم منه إلاّ خير ، أتجوز شهادته؟ قال : « نعم » إلى أن قال : « كان أبي يقول : إذا تاب ولا يعلم منه إلاّ خيرٌ جازت شهادته » (٤).

وصحيحة الكناني : عن القاذف إذا أكذب نفسه وتاب ، أتقبل شهادته؟ قال : « نعم » (٥).

والأخبار المتضمّنة لقبول شهادة من لا يعرف بفسق ، كرواية العلاء : عن شهادة من يلعب بالحمام ، قال : « لا بأس إذا لم يعرف بفسق » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤١ ، ١٣٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٧ أبواب الشهادات ب ٣٩ ح ١.

(٢) تفسير الإمام العسكري (ع) : ٦٧٤ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٦ ح ١ ، بتفاوتٍ يسير.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٧ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٥ ، ٦١٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٧ ، ١٢٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٤ أبواب الشهادات ب ٣٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٧ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٦ ، ٦٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٧ ، ١٢٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٣ أبواب الشهادات ب ٣٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٤٦ ، ٦٢١ ، الإستبصار ٣ : ٣٧ ، ١٢٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٤ أبواب الشهادات ب ٣٦ ح ٥.

(٦) الفقيه ٣ : ٣٠ ، ٨٨ ، التهذيب ٦ : ٢٨٤ ، ٧٨٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٤ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٦.

٥٩

وصحيحة حريز : في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ، فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران ، قال : فقال : « إذا كان أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أُجيزت شهاداتهم جميعاً » إلى أن قال : « وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم ، إلاّ أن يكونوا معروفين بالفسق » (١).

والجواب عنها مضافاً إلى أنّ القسم الأول أعمّ مطلقاً من روايات اشتراط العدالة ؛ لاختصاصها أيضاً بالمسلم بالإجماع والأخبار ، وكون الخير في القسم الأول أعمّ من العدالة ، بل وكذا القسم الثاني ؛ لأنّ موضوعه الذي هو التائب لا مدخليّة في الحكم إجماعاً ، بمعنى : أنّه لا يشترط أن يكون تائباً بالإجماع ، بل اللاّزم عدم ظهور ذنب منه ؛ إذ رفع الذنب الظاهر منه بالتوبة ، فكونه تائباً من حيث هو هو ليس موضوعاً للحكم قطعاً ، فيكون الموضوع بضميمة الإجماع المركّب من لم يُعلَم كونه مذنباً ؛ إمّا لعدم العلم بالذنب ، أو لرفعه بالتوبة ـ : أنّ معارضة هذه الأخبار لأخبار العدالة إنّما هي إذا لم يكن الموضوع فيها معرِّفاً شرعيّاً للعدالة كاشفاً عنها ، وإلاّ لم تكن معارضة لها :

ولذا لا تعدّ أخبار الاستصحاب (٢) معارضة لأخبار اشتراط طهارة الثوب في الصلاة (٣) ، ولا اخبار جواز أخذ اللحم والجلد من المسلمين (٤) معارضة لأخبار اشتراط التذكية (٥) ؛ لأنّ مدلول أخبار الاستصحاب ليس أنّ‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٣ ، ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٧٧ ، ٧٥٩ و ٢٨٦ ، ٧٩٣ ، الاستبصار ٣ : ١٤ ، ٣٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٧ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١٨ ، بتفاوتٍ يسير.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٢٨ أبواب النجاسات ب ١٩.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٩٠ أبواب النجاسات ب ٥٠.

(٥) الوسائل ٣ : ٤٨٩ أبواب النجاسات ب ٤٩.

٦٠