مستند الشّيعة - ج ٧

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٧

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-82-5
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٦٢

١
٢

٣
٤

المقصد الثالث

في منافيات الصلاة ، ومبطلاتها ، ومكروهاتها ،

وأحكام الخلل الواقع فيها‌

والكلام فيه إمّا في منافيات الصلاة ، أو في الخلل الواقع في الصلاة والسهو في شرائطه أو أفعاله والشك. فهاهنا بابان.

٥
٦

الباب الأول

في منافيات الصلاة ومبطلاتها ومكروهاتها‌

وفيه فصلان‌ :

٧
٨

الفصل الأوّل

في منافياتها ومبطلاتها‌

وهي أمور :

الأول :

ما يبطل الطهارة وينقضها من الأحداث.

وهو يبطل الصلاة ويقطعها إن كان حدثا أكبر مطلقا بالإجماع.

وكذا إن كان أصغر وصدر عمدا ، واستفاض عليه نقل الإجماع أيضا (١).

وكذا لو صدر من غير اختيار ، أو سهوا عن كونه في الصلاة مع اختيارية الحدث ، على الأظهر الأشهر. بل في الناصريات : الإجماع على الأول (٢). وفي التذكرة ونهاية الإحكام وشرح الجعفرية على الثاني (٣). وفي شرح الإرشاد للأردبيلي فيهما إذا كانت الطهارة المنتقضة مائية (٤). وحكي نفي الخلاف في ذلك عن التهذيب أيضا (٥).

وفي الأمالي : إنّ قطع الصلاة بخروج ما ينقض الوضوء ـ الشامل لجميع ما ذكر بعمومه ـ من دين الإمامية (٦).

لا لبطلان الصلاة بالفعل الكثير إجماعا.

أو لشرطية الطهارة في الصلاة.

أو لأصالة الاشتغال.

__________________

(١) انظر التذكرة ١ : ١٢٩ ، والمدارك ٣ : ٤٥٥ ، والحدائق ٩ : ٢.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٩.

(٣) التذكرة ١ : ١٢٩ ، نهاية الإحكام ١ : ٥١٣.

(٤) مجمع الفائدة ٣ : ٤٨.

(٥) التهذيب ١ : ٢٠٥.

(٦) الأمالي : ٥١٣.

٩

أو توقيفية العبادة المستلزمة للاقتصار بما نقل عن الشارع.

لضعف الأول : بمنع كون مجرّد الطهارة ـ الذي هو محل الكلام خصوصا إذا كانت تيمّما ـ فعلا كثيرا أولا. ومنع إبطال كلّ فعل كثير ثانيا ، فإنّ مستنده الإجماع وهو منتف في محلّ النزاع.

والثاني : بأنّ اللازم منه عدم وقوع شي‌ء من أجزاء الصلاة من غير طهارة ، لا عدم تخلّل الحدث في الأثناء.

والقول بأنّ الصلاة ليست تلك الأجزاء بالخصوص ، بل هي وما بينها من الانتقالات.

كلام واه ، وإلاّ لكان غسل الرعاف وردّ السلام وصفق اليدين للتنبيه ، منها.

ودعوى خروجها بالدليل فاسد ، لأنّ الدخول محتاج إليه ، ولا دليل على كون غير الأجزاء المخصوصة صلاة. ولذا ترى جماعة (١) يصرّحون بعدم بطلان الصلاة بنية القطع أو المنافي لو رجع عنها ولم يشتغل حينئذ بشي‌ء من أجزاء الصلاة.

وأيضا : ثبوت أجزاء الصلاة إنّما هو بالشرع ، وأجزاؤها معدودة ، ولم يعدّ منها السكوت بقدر التطهّر لو أحدث.

فإن قيل : قوله : « تحليلها التسليم » يدلّ على أنّه في الصلاة ، إذ الانصراف إنّما هو بالتسليم.

قلنا : الكون في الصلاة وعدم الانصراف عنها غير التلبّس بأجزائها ، ألا ترى أنّ الجالس في أثناء طريق السفر ، والمتكلّم في خلال الأكل ، والساكت قليلا في أثناء القراءة ، غير منصرف عنها ، مع أنّه غير متلبّس به؟

والثالث : بمنع العلم بالاشتغال بالزائد عمّا فعله ، مع أنّ حرمة إبطال ما فعل محتملة ، فلا يتيقّن بالبراءة ـ بترك البناء والاستئناف ـ عن جميع ما اشتغلت‌

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٠٢ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٦٧ والتذكرة ١ : ١١١.

١٠

به الذمّة.

والرابع : بأنّ لازم توقيفية العبادة الاقتصار في أجزائها أو شرائطها بما ورد من الشرع ، ولم يرد منه أنّ اتّصال الطهارة أيضا من الأجزاء أو الشرائط. وعدم فعل الشارع نحو المدّعى لعلّه لعدم سبق حدث منه.

بل (١) للإجماع فيما إذا كان المنتقض الطهارة المائيّة ، لعدم ظهور مخالف فيه ـ كما يأتي ـ وعدم قدح من نسب الخلاف إليه ـ لو كان مخالفا ـ في الإجماع.

وللنصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة مطلقا ، منها : موثّقة الحضرمي : « لا يقطع الصلاة إلاّ أربع : الخلاء ، والبول ، والريح ، والصوت » (٢).

والساباطي : عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع كيف يصنع؟ قال : « إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وإن كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة » (٣).

ورواية ابن جهم الواردة فيمن أحدث حين جلس في الرابعة ، وفيها : « وإن لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد » (٤).

والكناني : عن الرجل يخفق وهو في الصلاة ، قال : « إن كان لا يحفظ حدثا منه إن كان ، فعليه الوضوء وإعادة الصلاة » (٥).

والحسين بن حمّاد : « إذا أحسّ الرجل أنّ بثوبه بللا وهو يصلّي فليأخذ ذكره‌

__________________

(١) عطف على قوله : لا لبطلان الصلاة .. ( في ص ٩ ).

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٤ الصلاة ب ٥٠ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٣١ ـ ١٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٠ ـ ١٠٣٠ ، الوسائل ٧ : ٣٣٣ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١١ ـ ٢٠ ، الاستبصار ١ : ٨٢ ـ ٢٥٨ ، الوسائل ١ : ٢٥٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٥ ح ٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٥ ـ ٥٩٦ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ ـ ١٥٣١ ، الوسائل ٧ : ٢٣٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٧ ـ ٨ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٦.

١١

بطرف ثوبه فيمسّه بفخذه ، فإن كان بللا ينصرف فليتوضأ ويعيد الصلاة » (١) الحديث. والمراد ما إذا لم يستبرئ.

والمرويّين في قرب الإسناد والمسائل : عن رجل يكون في صلاته فعلم أنّ ريحا قد خرجت عنه ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا ، قال : « يعيد الوضوء والصلاة ، ولا يعتدّ بشي‌ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا » (٢).

وضعف بعضها سندا منجبر بما مرّ ، وقصور بعض عن إفادة الوجوب مجبور بعدم القول باستحباب إعادة الصلاة ، بل القائل بين محرم لها وموجب.

خلافا للمحكي عن السيد في المصباح (٣) ، والشيخ في المبسوط والخلاف (٤) في صورة سبق الحدث ، فقالا بالتطهير والبناء.

للاستصحاب.

والأصل.

وصحيحة الفضيل : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا ، فقال : « انصرف ثمَّ توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا ، فإن تكلّمت ناسيا فلا شي‌ء عليك ، فهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسيا » قلت : وإن قلّب وجهه عن القبلة؟ قال : « نعم وإن قلّب وجهه عن القبلة » (٥).

ورواية القماط : عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ـ ١٤٦٥ ، الوسائل ٧ : ٢٣٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٥.

(٢) قرب الإسناد : ٢٠٠ ـ ٧٦٩ مسائل علي بن جعفر : ١٨٤ ـ ٣٥٩ ، الوسائل ٧ : ٢٣٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٧.

(٣) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٢٥٠.

(٤) المبسوط ١ : ١١٧ ، الخلاف ١ : ٤١٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ـ ١٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ ـ ١٥٣٣ ، الوسائل ٧ : ٢٣٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩.

١٢

ـ إلى أن قال ـ : « فقال إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ، ثمَّ ينصرف إلى مصلاّه الّذي كان يصلي فيه ، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام » قال ، قلت : وإن التفت يمينا وشمالا ، أو ولّى عن القبلة؟ قال : « نعم ، كلّ ذلك واسع » (١).

وحسنة زرارة (٢) وموثقته (٣) وموثقة ابنه (٤) ، الواردة في الحدث بعد السجدة الأخيرة وقبل التشهّد ، الآمرة بالوضوء والبناء.

ويجاب عن الأصلين : بالاندفاع بما مرّ.

وعن الأخبار : أوّلا : بمعارضتها مع ما مرّ ، مع اختصاص أكثره بمورد الكلام بحيث لا يمكن التخصيص فيه بغيره ، فإنّ الثلاثة الأخيرة مخصوصة بمن سبقه الحدث. بل وكذلك الثانية ، إذ الظاهر أنّ خروج حبّ القرع لا يكون في الصلاة اختياريا.

ويرجّح ما مرّ عليها ، لموافقتها للعامّة ، فإنّ ذلك مذهب مالك وأبي حنيفة ، والشافعي في قوله [ القديم ] (٥) كما في الناصريات وفي الخلاف والتذكرة والمنتهى (٦) ، وغيرها (٧).

وثانيا : بعدم حجيّتها ، لشذوذها ومخالفتها لشهرة القدماء والمتأخرين. بل لمذهب ناقليها. بل للإجماع ، لإطباق العلماء قديما وحديثا على خلافها.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٥ ـ ١٤٦٨ ، الوسائل ٧ : ٢٣٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ١١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٧ الصلاة ب ٣٣ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٤١١ أبواب التشهد ب ١٣ ذ. ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٨ ـ ١٣٠٠ ، الوسائل ٦ : ٤١١ أبواب التشهد ب ١٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٦ الصلاة ب ٣٣ ح ١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ ـ ١٢٩٠ ، الوسائل ٦ : ٤١١ و ٤١٢ أبواب التشهد ب ١٣ ح ٢ و ٤.

(٥) في النسخ : الجديد ، والظاهر هو سهو من قلمه الشريف ، كما يظهر من كتب العامّة والخاصة.

(٦) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٩ ، الخلاف ١ : ٤١٢ ، التذكرة ١ : ١٣٠ ، المنتهى ١ : ٣٠٧.

(٧) كالرياض ١ : ١٧٧.

١٣

ومخالفة من ذكر ـ سيّما في بعض الكتب بعد الموافقة في سائر كتبه (١) ـ لا تقدح في الإجماع.

مع أنّ المخالفة في الخلاف أيضا غير معلومة ، بل صرّح الشيخ فيه بعد نقله الروايتين الأولى البطلان ، والثانية البناء وجعله الأول أحوط ، بأنّ الّذي أعمل وافتي به هو الاولى (٢).

ولا ينافيه جعلها أحوط أوّلا ، لأنّ الاحتياط ـ والمراد تحصيل البراءة اليقينيّة ـ عنده دليل شرعي. ولذا استدلّ على ما أفتى به في الخلاف بتيقّن البراءة ، ولذا تراه كالسيد وتابعيه يستدلّون على مذاهبهم بطريقة الاحتياط.

ومن هذا يظهر حال المبسوط أيضا ، لتصريحه فيه بأحوطيّة البطلان (٣) ، بل السيد أيضا ، لذلك.

هذا مع عدم مطابقة الروايتين الأوليين للدعوى ، لأنّها في صورة سبق الحدث بغير اختيار ، ومدلولهما الحدث اختيارا ، حيث أمر بالانصراف وقضاء الحاجة. ولو لم تحملا على ذلك يكون عدم المطابقة أظهر ، لأنّ الغمز وأخويه ليس إحداثا.

والثلاثة الأخيرة أخصّ ، لورودها قبل التشهّد الأخير خاصّة. ولا إجماع مركب ، لأنّ الصدوق قد أفتى في الفقيه بمضمونها (٤). وقوّاه المحدّث المجلسي في البحار حتى في صورة العمد أيضا (٥) ، وكذا والد شيخنا البهائي في شرح الألفيّة.

وهذا قول ثان مخالف للمشهور ، وهو الفرق بين ما بعد السجدة الأخيرة وبين ما قبلها ، فالبناء في الأوّل ، والإعادة في الثاني.

ودليله ما مرّ ، وجوابه قد ظهر ، سيّما أنّ الموافقة للعامّة هنا أشدّ وأظهر ،

__________________

(١) كما في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٥ ، والاقتصاد : ٢٦٤.

(٢) الخلاف ١ : ٤١٢.

(٣) المبسوط ١ : ١١٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٣ ذيل الحديث ١٠٣٠.

(٥) البحار ٨١ : ٢٨٢.

١٤

حيث إنّ أبا حنيفة ومالك وجمعا آخر من فقهائهم ينفون وجوب التشهّد الأخير (١).

مع أنّ الظاهر أنّ البطلان في صورة العمد إجماعيّ ، بل قيل : كاد أن يكون ضروري المذهب (٢).

وهنا خلاف ثالث للمشهور ، وهو : القول بالبناء فيما إذا كان المنتقض الطهارة الترابيّة خاصّة ، حكي عن العماني والشيخين وابن حمزة في الواسطة (٣) ، ومال إليه في المعتبر (٤) ، وقوّاه في المدارك (٥) ، ونفى عنه البعد في شرح الإرشاد للأردبيلي (٦).

لصحيحة زرارة ومحمّد : رجل دخل في الصلاة وهو متيمّم ، فصلّى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب الماء ، قال : « يخرج ويتوضّأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم » (٧).

ونحوها صحيحة زرارة الأخرى (٨).

وهما أخصّان من المدّعى على ما يظهر من نهاية الشيخ (٩) ، وما حكاه الحلّي في السرائر (١٠) من وجوب الطهارة والبناء على المتيمّم إذا أحدث مطلقا.

__________________

(١) بداية المجتهد ١ : ١٢٩ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٦١٤.

(٢) كما في الرياض ١ : ١٧٧.

(٣) حكاه عن العماني في المختلف ١ : ٥٣ ، المفيد في المقنعة : ٦١ ، الطوسي في النهاية : ٤٨ ، حكاه عن ابن حمزة في الذكرى : ١١١.

(٤) المعتبر ١ : ٤٠٧.

(٥) المدارك ٣ : ٤٥٩.

(٦) مجمع الفائدة ٣ : ٤٩.

(٧) الفقيه ١ : ٥٨ ـ ٢١٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٤ ـ ٥٩٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٧ ـ ٥٨٠ ، الوسائل ٧ : ٢٣٦ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٨) التهذيب ١ : ٤٠٣ ـ ١٢٦٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٧ ـ ٥٧٩ ، الوسائل ٣ : ٣٨٣ أبواب التيمم ب ٢١ ح ٥.

(٩) النهاية : ٤٨.

(١٠) السرائر ١ : ١٣٩.

١٥

نعم تنطبقان عليه على ما نقله في المنتهى والمدارك من أنّه إذا أحدث فوجد الماء (١).

فيجاب عنهما : بأنّهما تعارضان ما مرّ ، وتوافقان العامّة (٢).

ومع ذلك لا بدّ من ارتكاب تخصيص أو تجوّز فيهما ، إذ لا شكّ في البطلان في صورة العمد ، والتخصيص بالسهو ليس أولى من حمل الركعة على الصلاة ، كما عن المختلف (٣) ، فيكون المراد من قوله : « يبني على ما مضى » أي : يجتزئ بتلك الصلاة السابقة ، فإنّه لم يثبت للبناء حقيقة شرعية في هذا المعنى المدّعى ، كما مرّ في مسألة واجد الماء في أثناء الصلاة من بحث التيمّم.

أو تخصيص الرجل بمن صلّى صلاة بالتيمّم ثمَّ دخل في الأخرى ، كما عن المنتقى (٤) ، فيكون المراد بالصلاة في قوله : « يبني على ما مضى من صلاته » هو صلاته التي صلاّها بالتيمّم تامّة قبل هذه الصلاة الّتي أحدث فيها ، ومرجعه إلى أنّه يخرج من هذه الصلاة ولا يعيد ما صلاّها بهذا التيمّم وإن كان في الوقت ، ويشعر بهذا المعنى قوله : « التي صلّى بالتيمّم ».

الثاني :

التكفير ، بمعنى وضع اليمين على الشمال ، كما فسّره به في صحيحة محمّد (٥) ، أو هو أو عكسه ، كما به فسّره في المروي في الدعائم (٦).

وحرمته في الصلاة مشهورة ، صرّح بها في الانتصار والخلاف والنهاية والجمل والسرائر والوسيلة والغنية والنافع والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٥٧ ، المدارك ٣ : ٤٥٩.

(٢) انظر : بدائع الصنائع ١ : ٢٢٠.

(٣) المختلف ١ : ٥٣.

(٤) المنتقى ١ : ٣٦٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٤ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٧ : ٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٦) الدعائم ١ : ١٥٩ ، مستدرك الوسائل ٥ : ٤٢١ أبواب قواطع الصلاة ب ١٤ ح ٢.

١٦

والتحرير والإرشاد والقواعد وشرحه والروضة (١) ، وغيرها ، بل عامّة المتأخّرين كما قيل (٢).

إلاّ أنّ بعضهم عبّر بالمعنى الأوّل ، وبعضهم بالثاني ، وبعضهم بالتكفير ، وفي الانتصار والغنية الإجماع عليها في المعنى الأوّل مطلقا (٣) ، وفي الخلاف على الثاني كذلك (٤).

وعن الحلبي والإسكافي والمعتبر عدمها بشي‌ء من المعنيين (٥).

والحق هو الأوّل بمعنى حرمته ، سواء فسر بالمعنى الأوّل أو بالثاني ، للمروي في كتاب المسائل لعليّ ، عن أخيه عليه‌السلام : عن الرجل يكون في صلاته يضع إحدى يديه على الأخرى بكفّه أو ذراعه ، قال : « لا يصلح ذلك ، فإن فعل فلا يعودنّ له » (٦).

فإنّ نفي الصلاحيّة يستلزم الحرمة ، كما بيّنا وجهه في عوائد الأيام (٧). ولا ينافيه ما بعده ، لأنّ معناه أنّه إن كان فعل ذلك قبل هذا فلا يعود إليه بعد ذلك ، وهذا ملائم للحرمة لا مناف لها.

وضعفه منجبر بدعوى الشهرة على تحريم الأصل والعكس في طائفة من العبارات ، منها في شرح الجعفرية ، بل الإجماع في الخلاف (٨).

__________________

(١) الانتصار : ٤١ ، الخلاف ١ : ٣٢١ ، النهاية : ٧٣ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٤ ، السرائر ١ : ٢١٧ ، الوسيلة : ٩٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، النافع : ٣٤ ، المنتهى ١ : ٣١١ ، التذكرة ١ : ١٣٢ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٢٣ ، التحرير ١ : ٤٢ ، الإرشاد ١ : ٢٦٨ ، القواعد ١ : ٣٥ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٤٤ ، الروضة ١ : ٢٣٥.

(٢) الرياض ١ : ١٧٩.

(٣) الانتصار : ٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

(٤) الخلاف ١ : ٣٢٢.

(٥) الحلبي في الكافي في الفقه : ١٢٥ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٠٠ ، المعتبر ٢ : ٢٥٧.

(٦) مسائل علي بن جعفر : ١٧٠ ـ ٢٨٨ ، الوسائل ٧ : ٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ٥.

(٧) عوائد الأيام : ٨٢.

(٨) الخلاف ١ : ٣٢٢.

١٧

وتؤيده روايات مستفيضة أخرى ، كصحيحة محمّد (١) ، ومرسلة حريز (٢) ، والمرويّات في الخصال (٣) ، والدعائم (٤) ، وقرب الإسناد (٥).

وعدم الاستدلال بها ـ كالأكثر ـ لخلوّها عن الصريح في التحريم ، لأنّها بين ألفاظ إخباريّة أو محتملة لها.

وأمّا قوله في رواية الدعائم : « ولكن أرسلهما إرسالا » وإن كان أمرا ، إلاّ أنّها ـ لضعفها وعدم حصول الانجبار لها في وجوب إرسالها ، لاحتمال جواز وضع اليدين على الثديين أو الضلعين ، أو إحداهما ـ لا تصلح لإثبات الحرمة.

وأمّا المروي في تفسير العياشي : أيضع الرجل يده على ذراعيه في الصلاة؟

قال : « لا بأس » (٦).

فضعيف غير منجبر ، ومع ذلك للعامّة موافق.

ولا فرق في الحرمة بين كون الوضع فوق السّرة أو تحتها ، وضع الكفّ على الكفّ أو على الساعد ، لإطلاق الرواية والإجماعات المنقولة الجابرة لها ، بل صرّح بالإجماع في الخلاف على عموم فوق السرّة وتحتها (٧).

ثمَّ إنّه هل هو موجب لبطلان الصلاة؟ كما صرّح به كثير من المحرّمين (٨) ، ومنهم والدي ـ رحمه‌الله ـ في بحث المنافيات من التحفة الرضويّة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٤ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٧ : ٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٦ الصلاة ب ٢٩ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ٧ : ٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ٣.

(٣) الخصال : ٦٢٢ ، الوسائل ٧ : ٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ٧.

(٤) الدعائم ١ : ١٥٩ ، مستدرك الوسائل ٥ : ٤٢١ أبواب قواطع الصلاة ب ١٤ ح ٢.

(٥) قرب الإسناد ٢٠٨ ـ ٨٠٩ ، الوسائل ٧ : ٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة ١٥ ح ٤.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ٣٦ ـ ١٠٠ ، مستدرك الوسائل ٥ : ٤٢١ أبواب قواطع الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٧) الخلاف ١ : ٣٢٢.

(٨) كالعلامة في نهاية الأحكام ١ : ٥٢٣ ، والتذكرة ١ : ١٣٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٣٧.

١٨

أو لا؟ كما في شرح الإرشاد للأردبيلي ، والروضة والمسالك (١) ، ووالدي ـ رحمه‌الله ـ في بحث القيام من الكتاب المذكور.

الحقّ هو الثاني ، للأصل الخالي عن المعارض مطلقا ، إلاّ ما استدلّ به من الإجماع البسيط المنقول في الخلاف (٢) ، والمركّب المصرّح به في كلام الثانيين (٣) ، وكونه فعلا كثيرا ، وأصل الاشتغال ، وتوقيفيّة العبادة ، ولزوم الزيادة في الصلاة.

والكلّ ضعيف ، يظهر وجهه ممّا مرّ مرارا.

ولا يحرم ذلك في حال التقيّة مطلقا إجماعا ، بل يجب ، ومعها لو تركه لم تبطل صلاته قطعا.

الثالث :

الالتفات عن القبلة.

وتحقيقه : أنّ الالتفات إمّا يكون خطأ في القبلة مع التقصير أو بدونه.

أو جهلا بوجوب مراعاتها.

أو ظنّا بتمام الصلاة كمن سلّم في غير موقعه.

أو عمدا.

أو سهوا من أنّه في الصلاة ، أو من أنّه لا يجوز الانحراف ، ومنه الغفلة كأن يسمع صوتا من خلفه فيلتفت من غير شعور.

أو مكرها.

والأوّلان قد مضيا في باب القبلة.

والثالث يأتي في مسألة السلام في غير موضعه.

والكلام هنا في الثلاثة الأخيرة.

__________________

(١) مجمع الفائدة ٣ : ٥١ ، الروضة ١ : ٢٣٥ ، المسالك ١ : ٣٢.

(٢) الخلاف ١ : ٣٢٢.

(٣) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٤٥ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٠.

١٩

فإن كان عمدا فهو إمّا يكون بالبدن كلّه أو الوجه خاصّة ، وعلى التقديرين إمّا يكون إلى الخلف ، والمراد به ما يجاوز عن أحد الجانبين وإن لم يبلغ مقابل القبلة ، ولذا تراهم قابلوه باليمين والشمال ، أو إلى أحد الجانبين ، أو إلى ما بينه وبين القبلة.

فعلى الأوّل ، فإن كان إلى الخلف يبطل بالإجماع ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها الآتية.

وإلاّ فعلى الأقوى ، إن بلغ أحد الجانبين ، وفاقا لنهاية الشيخ والمعتبر وروض الجنان والذكرى والبيان والروضة وشرح الجعفرية وشرح القواعد والحدائق (١) والمعتمد ، بل للأكثر ، بل للجميع كما يظهر من اشتراطهم في بحث القبلة عدم الانحراف عمدا ولو يسيرا ، وهو قرينة على أنّ مرادهم من الالتفات الغير المبطل هنا هو الالتفات بالوجه خاصّة ، كما صرّح به بعضهم أيضا (٢) ، وقد استعمل كثيرا مطلقا فيه كما يظهر للمتتبّع ، وإن أمكن حمل كلامهم في القبلة على ما إذا صلّى على غير القبلة ، وهنا على ما إذا التفت بدون إيقاع شي‌ء من الصلاة حينئذ.

للمستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحيحة ابن أذينة : عن رجل رعف وهو في الصلاة وقد صلّى بعض صلاته ، فقال : « إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت ، وليبن على صلاته ، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة » (٣).

وزرارة : « الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه » (٤).

__________________

(١) النهاية : ٩٤ ، المعتبر ٢ : ٢٦٠ ، الروض : ٣٣٢ ، الذكرى : ٢١٦ ، البيان : ١٨٢ ، الروضة ١ : ٢٣٦ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٤٧ ، الحدائق ٩ : ٣١.

(٢) انظر : الذخيرة : ٣٥٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٩ ـ ١٠٥٦ ، الوسائل ٧ : ٢٣٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٩٩ ـ ٧٨٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠٥ ـ ١٥٤٣ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٣.

٢٠