مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

خاصّة (١) ، من جهة ظهورها في الاختصاص.

وفيه مع أنّ منها الدين الشامل للمورد ؛ وأنّ أكثرها مقيّدة بالنساء وحدهن ، فلا يشمل شهادة النساء والرجال ـ : أنّ هذا ليس في الأكثر إلاّ اعتباراً لمفهوم اللقب ، وهو باطل.

وعلى هذا ، فالأظهر عدم الإلحاق.

ثم الحدود المشترطة فيها الذكورة المحضة تشمل الرجم والجلد ، وحدّ اللواط والسحق ، وإتيان البهيمة ، وشرب الخمر ، والسرقة ، والردّة ، والقذف ، وقصاص النفس والطرف ، وغيرها من أنواع الحدود.

وهل تشمل التعزيرات؟

ظاهر الأخبار : العدم ؛ للتصريح فيها بعدم كونها حدّا ، فورد فيها : أنّ ليس في ذلك حدّ ، ولكن فيه تعزير (٢).

وعبّر جمع من الأصحاب بحقوق الله الشاملة لها أيضاً (٣).

ولكن لم أعثر بذلك على نصّ ، فإن ثبت الإجماع كما هو المظنون وإلاّ فالإطلاق المتقدّم يقتضي القبول (٤) ، إلاّ أنّه يمكن الاستدلال بالحصر المذكور في رواية السكوني المتقدّمة (٥) ، وبه يقيّد الإطلاق المذكور ، فالأظهر فيها عدم القبول.

ثم إنّه استثني من الحدود : الرجم ، فقبلت فيه شهادة النساء مع الرجال ، على التفصيل الآتي في كتاب الحدود إن شاء الله.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٣٥٠ أبواب الشهادات ب ٢٤.

(٢) الوسائل ١٨ : ٥٧١ أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات والاستمناء ب ١ ح ٣ و ٥.

(٣) انظر المبسوط ٨ : ٢١٥.

(٤) أي رواية عبد الكريم بن أبي يعفور المتقدّمة في ص ٢٧٨.

(٥) في ص ٢٧٤.

٢٨١

وعن الإسكافي : إلحاق اللواط والسحق به أيضاً (١).

وهو ضعيف غايته كما يأتي.

وممّا وقع الخلاف فيه : القتل والجرح الموجبين للقود دون ما تجب فيه الدّية ـ فإنّه خلافٌ في ثبوته بها.

فمنع الحلّي عن الثبوت بها مطلقاً (٢) ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والفاضل في التحرير والقواعد (٣).

وعن العماني : القبول كذلك ، فيقتصّ من الجاني بشهادتهنّ مع الرجال (٤). ونسب إلى موضع من الشرائع والإرشاد والقواعد (٥) ، واحتمله في التحرير (٦).

وذهب الشيخ في المبسوط والنهاية والإسكافي والحلبي والقاضي والشرائع والنافع والمختلف والإيضاح إلى القبول في الدية دون القصاص (٧) ، بمعنى أنّه تثبت من شهادتهنّ في الجناية الموجبة للقود أيضاً الدية ، ولا يقتصّ بشهادتهن. وحاصله : قبول شهادتهن ، إلاّ أنّه لا يحكم بواسطتها بالقصاص.

وهذا أو القبول في الجملة ، ولو بالنسبة إلى الدية هو الذي نسبه‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧١٥.

(٢) السرائر ٢ : ١٣٨.

(٣) الخلاف ٢ : ٦٠٦ ، التحرير ٢ : ٢١٢ ، القواعد ٢ : ٢٣٨.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٧١٤.

(٥) الشرائع ٤ : ١٣٧ ، القواعد ٢ : ٢٣٩.

(٦) التحرير ٢ : ٢١٢.

(٧) المبسوط ٨ : ١٧٢ ، النهاية : ٣٣٣ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧١٤ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٣٦ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٧١٤ ، الشرائع ٤ : ١٣٧ ، المختصر النافع : ٢٨٨ ، المختلف : ٧١٤ ، الإيضاح ٤ : ٤٣٤.

٢٨٢

في المسالك إلى أكثر الأصحاب (١).

وهذا هو تحرير الخلاف في المسألة.

وقال صاحب الكفاية : أمّا القصاص يعني الجناية الموجبة له فاختلف الأصحاب فيه ، أولها : القبول مطلقاً ، وثانيها : عدم القبول مطلقاً ، وثالثها : القبول فيما يوجب الدية حسب (٢). انتهى.

ولا يخفى ما في كلامه ؛ حيث جعل محلّ الخلاف الجناية الموجبة للقصاص ، ثم جعل أحد الأقوال القبول فيما يوجب الدية.

ثم إنّ دليل الأولين : الروايات الأربع من التسع المتقدّمة في المسألة الثانية (٣) ، وروايتا غياث وإسماعيل المتقدّمتان في صدر المسألة (٤).

ورواية زرارة : قلت : تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال : « لا » (٥).

وصحيحة محمّد ، وفي آخرها : « ولا تجوز شهادة النساء في القتل » (٦).

وصحيحة ربعي : « لا تجوز شهادة النساء في القتل » (٧).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤١٤.

(٢) الكفاية : ٢٨٥.

(٣) راجع ص ٢٧٣.

(٤) راجع ص ٢٧٦.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩١ ، ٩ ، التهذيب ٦ : ٢٦٥ ، ٧٠٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٤ ، ٧٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٤ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١١.

(٦) التهذيب ٦ : ٢٦٥ ، ٧٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٤ ، ٧٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٨ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢٨.

(٧) التهذيب ٦ : ٢٦٧ ، ٧١٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٧ ، ٨٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٨ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢٧.

٢٨٣

مضافة إلى الحصر المصرّح به في رواية السكوني المتقدّمة (١) ، والروايات المانعة عن شهادتهنّ في الحدود (٢).

ودليل الثاني : صحيحة جميل وحمران المتقدّمة (٣) ، وروايتا الكناني والشحّام :

في الأُولى : وقال : « تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال » (٤).

وفي الثانية : فقلت : أتجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ فقال : « نعم » (٥).

وحجّة الثالث : الجمع بين أخبار القولين الأولين ، بحمل أخبار الأول على المنع في القود ، وأخبار الثاني على القبول في الدية.

مستأنساً لهذا الجمع بقوله في روايتي غياث وإسماعيل : « ولا في القود ».

وبما يشعر به كلام الإسكافي من الإجماع ، حيث قال : وإن لم تتمّ الشهادة على القتل بالرجال وشاركتهم النساء أوجبنا بها الدية (٦).

أقول : أُجيب عن الحجّة الأخيرة تارةً : بأنّ الجمع فرع التكافؤ ، ولا تكافئ أخبار القبول روايات المنع.

__________________

(١) في ص ٢٧٤.

(٢) انظر الوسائل ٢٧ : ٣٥٠ أبواب الشهادات ب ٢٤.

(٣) في ص ٢٧٦.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٦٧ ، ٧١٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٧ ، ٨٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٧ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢٥.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٦٦ ، ٧١٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٧ ، ٨٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٩ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣٢.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٧١٢.

٢٨٤

وفيه منع ظاهر ؛ إذ لا ترجيح لروايات المنع إلاّ الأكثريّة ، ومجرّد ذلك لا يدفع التكافؤ.

وأمّا عمل الأصحاب ، فليس العامل بالأول أكثر من الثاني كثرة موجبة للترجيح.

ويعارض اعتضاد الأول بروايات منع القبول في الحدود ، والحصر المذكور ـ باعتضاد الثاني أيضاً بعموم رواية عبد الكريم (١) ، وتصريح رواية البصري (٢) والرضوي (٣) بالقبول في الحدود.

وقد يُدفَع التكافؤ ببعض التقريبات الموهونة جدّاً أيضاً.

وأُخرى : بإمكان الجمع بحمل المانعة على صورة انفرادهن ، ومخالفها على صورة اجتماعهنّ مع الرجال.

وفيه : تصريح بعض أخبار المنع به في صورة الاجتماع أيضاً ، فلا جمع.

والصواب أن يجاب : بأنّ هذا هو جمع بلا شاهد ، ومثله فاسد. وليس في قوله : « ولا في القود » شهادة على ذلك أصلاً ، فهذا القول ضعيف جدّاً.

والأخبار من الطرفين وإن كانت معارضة إلاّ أنّ بعد تعارضهما حتى أخبار المنع والجواز في الحدود لا يُعلَم مخصِّص للحصر المتقدّم ، وبه‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٤٢ ، ٥٩٧ ، الإستبصار ٣ : ١٣ ، ٣٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٨ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٢٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٧٠ ، ٧٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ١٠٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٦ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢١.

(٣) فقه الامام الرضا «ع» : ٢٦٢ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٤٢٦ أبواب الشهادات ب ١٩ ح ٨.

٢٨٥

يخصَّص عموم رواية عبد الكريم.

وتظهر قوّة القول الأول ، فعليه الفتوى والعمل.

وممّا ذكر ظهر وجه القبول في موجبات الدية من القتل والجرح أيضاً ؛ لموافقة الحصر والعموم له ، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف فيه.

ثم إنّ ما ذكرنا من الخلاف إنّما هو في شهادتهنّ مع الرجال ، بأن يشهد رجل وامرأتان أو أكثر.

وأمّا المنفردات ، فلا خلاف في عدم قبول شهادتهنّ في القتل والجراح الموجبين للقود مطلقاً ، إلاّ ما حكي عن الحلبي ، حيث قال بقبول شهادة امرأتين في نصف الدية ، والواحدة في الربع (١) ؛ مستدلاًّ بصحيحة (٢) وضعيفة (٣) شاذّتين خارجتين عن حيّز الحجّية بشذوذهما.

مع إمكان الخدش في دلالة الصحيحة بحملها على الدفع خطأ ، وإرادة قبول شهادة المرأة بحسبها أي بنصف شهادة الرجل وطلب امرأة أُخرى مع رجل آخر ، فتأمّل.

المسألة الرابعة : اختلفوا في قبول شهادتهنّ في الرضاع المحرّم ، فعن الخلاف وموضع من المبسوط والسرائر والجامع : المنع (٤) ، وعن السرائر والتحرير والمسالك أنّه مذهب الأكثر (٥) ، وعن ظاهر المبسوط دعوى‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٤٩ ، وحكاه عنه في المختلف : ٧١٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٣١ ، ٩٦ ، التهذيب ٦ : ٢٦٧ ، ٧١٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٧ ، ٨٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٧ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢٦.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٢ ، ٩٨ ، التهذيب ٦ : ٢٦٧ ، ٧١٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٧ ، ٨٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٩ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣٣.

(٤) الخلاف ٢ : ٦٠٨ ، المبسوط ٨ : ١٧٥ ، السرائر ٢ : ١٣٧ ، الجامع للشرائع : ٥٤٣.

(٥) السرائر ٢ : ١١٥ ، التحرير ٢ : ٢١٢ ، المسالك ٢ : ٤١٤.

٢٨٦

الإجماع عليه ، حيث قال : وشهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا (١). ونسبه فيه إلى روايات الأصحاب ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه صريحاً (٢).

وعن العماني والإسكافي والمفيد والديلمي وابن حمزة وموضع من المبسوط والفاضلين والشهيدين والفخري والصيمري وسائر المتأخّرين : القبول (٣) ، وعن السيّد الإجماع عليه (٤).

دليل الأول : الحصران المتقدّمان.

وحجّة الثاني : عموم رواية عبد الكريم.

وخصوص النصوص المصرّحة بجواز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه كما في بعضها (٥) أو لا يجوز للرجل أن ينظر إليه ، أو لا ينظر إليه الرجل (٦).

ولأنّه أمر لا يطّلع عليه الرجل غالباً ، فمسّت الحاجة إلى قبول شهادتهنّ فيه.

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٤١١ ، وج ٨ : ١٧٥.

(٢) الخلاف ٢ : ٦٠٩.

(٣) حكاه عن العماني والإسكافي في المختلف ٢ : ٧١٦ ، المفيد في المقنعة : ٧٢٧ ، الديلمي في المراسم ( الجوامع الفقهية ) : ٦٥٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٢٢. المبسوط ٨ : ١٧٥ ، المحقّق في النافع : ٢٨٨ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٢١٢ ، الشهيدان في الدروس ٢ : ١٣٨ ، واللمعة والروضة ٣ : ١٤٤ ، الفخري في الإيضاح ٤ : ٤٣٥.

(٤) السيد في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٢.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩٢ ، ١١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٥ ، ٧٠٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٢ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٥.

(٦) التهذيب ٦ : ٢٨١ ، ٧٧٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥ ، ٨٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٢ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٤٢.

٢٨٧

ولمرسلة ابن بكير : امرأة أرضعت غلاماً وجارية ، قال : « يعلم ذلك غيرها؟ » قلت : لا ، قال : « لا تصدّق إن لم يكن غيرها » (١). وتدلّ بمفهوم الشرط على تصديقها إذا كان معها غيرها ولو كان ذكراً واحداً وأُنثى واحدة. وخروج بعض الأفراد بالدليل غير ضائر.

أقول : أمّا المرسلة ففيها : أنّ المرضعة فيها إمّا مدّعية أو متبرعة ، ومع ذلك لها نصيب في الشهادة وهو محرميّة الغلام لها ، والولديّة الرضاعيّة ومثل تلك الشهادة غير مقبولة ؛ لأحد الوجوه الثلاثة ، بل ظاهر قوله : « لا تصدّق » أنّ عدم القبول لأجل كونها مدّعية.

وأمّا ما تقدّمها ففيه : أنّه أمر لا يطّلع عليه الرجال الأجانب غالباً ، وأما غيرهم ـ كزوج المرضعة وأبيها ، وآبائهما ، وأب الام ، وأولادها ، وإخوانها ، وأولادهم ، وأولاد الأُخت ، وأعمامها وأخوالها فلِمَ لا يطّلع عليه؟! وأيّ فرق بينهم وبين النساء؟! ولو كان فرق بشي‌ء يسير لا اعتناء به ، مع أنّه أيّ حاجة إلى ثبوت الرضاع وحصول التحريم؟!.

وممّا ذكر يظهر ما في سابقه أيضاً ، من أنّ الثدي ليس شي‌ء لا يستطيع أن ينظر إليه الرجال ، أو لا يجوز ، أو لا ينظر :

نعم ، لا يجوز للرجال الأجانب ، ولم تقيّد الأخبار بالأجانب ، ولو خُصّ بذلك لكانت الشهادة على ما يتعلّق بالمرأة مطلقاً كذلك ، سيّما على القول بحرمة استماع الأجانب أصواتهن.

فلم يبق إلاّ العموم المذكور ، وتخصيصه بالحصر المتقدّم لازم.

فالحقّ هو القول الأول.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٢٣ ، ١٣٣٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٠١٢ أبواب عقد النكاح ب ١٢ ح ٣.

٢٨٨

المسألة الخامسة : اختلفوا في قبول شهادتهنّ مع الرجال في النكاح : فعن المفيد والخلاف والديلمي وابن حمزة والحلّي وظاهر التحرير : المنع (١) ، وعن الصيمري نسبته إلى المشهور ؛ لرواية السكوني المتقدّمة (٢).

وعن العماني والإسكافي والصدوقين والحلبي والتهذيبين والمبسوط وابن زهرة والشرائع والإرشاد والقواعد والإيضاح والدروس وغيرهم من المتأخّرين (٣) بل الأكثر كما عن المسالك (٤) : القبول ، وعليه الإجماع عن الغنية (٥).

لصحيحة الحلبي (٦) ، والروايات السبع لمحمّد بن الفضيل ، وأبي بصير ، والخارقي ، وابن الحصين ، وزرارة ، والكناني ، المتقدّمة كلاًّ في المسألة الثانية (٧).

والرضوي : « وتقبل شهادة النساء في النكاح والدين ، وكلّ ما لا يتهيّأ للرجال أن ينظروا إليه ، ولا تقبل في الطلاق ، ولا في رؤية الهلال » (٨).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٧٢٧ ، الخلاف ٢ : ٦٠٦ ، الديلمي في المراسم ( الجوامع الفقهية ) : ٦٥٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٢٢ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٣٩ ، التحرير ٢ : ٢١٢.

(٢) في ص ٢٧٤.

(٣) حكاه عن العماني والإسكافي في المختلف : ٧١٢ و ٧١٣ ، الصدوق في المقنع : ١٣٥ ، وحكاه عنه وعن والده في المختلف : ٧١٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٣٩ ، التهذيب ٦ : ٢٨٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٥ ، المبسوط ٨ : ١٧٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤ ، الشرائع ٤ : ١٣٦ ، القواعد ٢ : ٢٣٩ ، الإيضاح ٤ : ٤٣٢ ، الدروس ٢ : ١٣٧.

(٤) المسالك ٢ : ٤١٣.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٦) المتقدّمة في ٢٧٢.

(٧) راجع ص ٢٧٣ و ٢٧٤.

(٨) فقه الرضا « عليه‌السلام » : ٢٦٢ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٤٢٦ أبواب الشهادات ب ١٩ ح ٨.

٢٨٩

أقول : بعض تلك الأخبار الثمانية وإن كانت مطلقة ، ولكنّ أكثرها مقيّدة بما إذا كان معهنّ رجل ، وبعد حمل مطلقها على المقيّد يختصّ الجميع بذلك ، ويلزم تخصيص رواية السكوني التي هي دليل المنع بذلك ؛ لكونها أعمّ مطلقاً.

ولا ينافيه استثناء الديون المثبت لقبول شهادتهنّ فيها مع أنّه أيضاً لا يكون مع انفرادهنّ عن الرجال لمنع عدم قبول شهادتهنّ فيها على الانفراد مطلقاً ؛ لقبولها مع اليمين كما يأتي فلعلّه المراد من القبول في صورة الاستثناء.

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك لكان الترجيح لهذه الروايات البتّة ؛ للأشهريّة روايةً ، ومخالفة العامّة ، كما صرّح به شيخ الطائفة (١) ، ودلّت عليها تتمّة رواية داود بن الحصين السالف بعضها (٢).

وأمّا الجمع بينهما بحمل المنع على ما إذا كان المدّعى الزوج ؛ لأنّه لا يدّعي مالاً ، وحمل القبول على ما إذا كانت المدّعية الزوجة ؛ لأنّ دعواها متضمّنة للمهر والنفقة ، كما استوجهه في المسالك (٣) فضعيف غايته ؛ لفقد التكافؤ ، وانتفاء الشاهد عليه.

وظهر من ذلك أنّ الحقّ هو القول بالقبول ، لكن مقيّداً بما إذا كان معهنّ رجل ، كما هو مذهب الأصحاب ، وقيّده به في الصحيحة ، والروايات الأربع الأُولى (٤).

__________________

(١) الاستبصار ٣ : ٢٥.

(٢) في ص ٢٧٣.

(٣) المسالك ٢ : ٤١٣.

(٤) المتقدّمة جميعاً في ص ٢٧٣.

٢٩٠

وصرّح به في رواية إسماعيل بن عيسى : هل تجوز شهادة النساء في التزويج من غير أن يكون معهنّ رجل؟ قال : « لا ، هذا لا يستقيم » (١) ، وبها تقيّد المطلقات.

المسألة السادسة : صرّح جماعة بعدم قبول شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات في أُمور ، كالرجعة ، والعدّة ، والوكالة ، والوصاية ، والجناية الموجبة للقود ، والعتق ، والولاء ، والتدبير ، والكتابة ، والبلوغ ، والجرح ، والتعديل ، والعفو عن القصاص ، والإسلام.

وضبطها في الدروس والمسالك (٢) وغيرهما (٣) بما كان من حقوق الآدمي غير الماليّة ولا المقصود منه المال.

ونسب ذلك الضبط في الأول إلى الأصحاب ، مؤذناً بدعوى الإجماع.

ولكن خدش في الإجماع فيه الأردبيلي في شرح الإرشاد ، وقال : لا أعرفه ، ولا دليلاً لثبوت القاعدة ، والأصل قبول الشهادة (٤).

أقول : الخدش في الإجماع في خصوص تلك الأُمور وفي تأسيس القاعدة ـ في محلّه ؛ مع أنّ ما مثّلوا به للقاعدة وما لخلافها قد لا ينطبق على ما مثّلوا به له.

وقد يراد ببعض أمثلة القاعدة : المال ، وقد يقصد ببعض أمثلة خلافها : غير المال ، ولذا وقع الخلاف في بعض أمثلة كلّ منهما.

إلاّ أنّه يمكن إثبات الحكم وهو عدم القبول في جميع ما مثّلوا به‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٨٠ ، ٧٦٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٥ ، ٧٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٢ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣٩.

(٢) الدروس ٢ : ١٣٧ ، المسالك ٢ : ٤١٣.

(٣) كالخلاف ٢ : ٦٠٦ ، الروضة ٣ : ١٤١.

(٤) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٤٢٢ وما يليها.

٢٩١

للقاعدة ، وما يشابهه من أمثلة خلافها ، واختلفوا فيها ، مع عدم نصّ مخصوص على القبول فيه بما ذكرنا من الحصر المذكور في رواية السكوني (١) ، المخصّص به عموم رواية عبد الكريم (٢) ونحوه لو وجد.

بل يمكن إثبات أصل القاعدة به أيضاً ؛ لعدم كون كلّ ما كان مصداقاً لها ديناً لغةً ولا عرفاً ، فعدم القبول فيما يندرج تحتها هو الصحيح.

لا يقال : تعارض الحصر المذكور مرسلة يونس ، المصرّحة بأنّ استخراج الحقوق بأربعة ، وعدّ منها الرجل وامرأتين (٣) ، والحقوق أعمّ من الماليّة وغيرها.

قلنا : إنّه عدّ منها الرجل الواحد واليمين ، وقد عرفت اختصاصه بالديون بالنصوص ، ولازمه تخصيص الحقوق بها أيضاً ، أو التوقّف ، فلا يثبت في مطلق الحقوق ، والله العالم.

المسألة السابعة : ومن ذلك القسم : كلّ أمر غير الديون ـ لم يثبت فيه قبول شهادة النساء منفردات أو منضمّات فيه بدليل خاصّ به ؛ للحصر المتقدّم ، وستأتي الإشارة إلى بعض أمثلتها في ذيل الأقسام الثلاثة.

القسم الثاني : ما تشترط فيه الذكورة في الجملة لا المحضة ، فتقبل فيه شهادة النساء ولكن مع الرجل ، ومن ذلك القسم : النكاح على الأشهر الأظهر ، كما مرّ.

وقد عرفت الاختلاف في بعض آخر أيضاً ، كالجناية الموجبة للقود‌

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٧٤.

(٢) المتقدّمة في ص ٢٧٨.

(٣) الكافي ٧ : ٤١٦ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ، ٥٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٤.

٢٩٢

والطلاق وغيرهما ، وعلمت الحقّ فيها.

ومنه : الديون عند جماعة (١) ، والأظهر خلافه ، كما يأتي.

وظهر من ذلك أنّ هذا القسم منحصر على المختار في النكاح.

القسم الثالث : ما لا تشترط فيه الذكورة ، بل تقبل فيه شهادة النساء منضمّات مع الرجال ومنفردات ، مع اليمين أو بدونها. وهاهنا مسائل :

المسألة الأُولى : تقبل شهادة النساء في الديون في الجملة ، بلا خلاف كما صرّح به جماعة (٢) ، بل بالإجماع كما عن السرائر والغنية والمختلف (٣) وغيرها (٤) ، بل بالإجماع المحقّق ، فهو الحجّة فيه.

مع الآية الكريمة ( فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) (٥).

والنصوص المستفيضة ، كمرسلة يونس المتكرّر ذكرها ، وصحيحة الحلبي ، وروايتي داود بن الحصين والسكوني ، المتقدّمة جميعاً في المسألة الثانية من القسم الأول (٦) ، والرضوي المتقدّم في الخامسة منه (٧).

وصحيحة أُخرى للحلبي : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين ، يحلف بالله أنّ حقّه لحقّ » (٨).

__________________

(١) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٤٢ ، صاحب الرياض ٢ : ٤٤٤.

(٢) منهم ابن إدريس في السرائر ٢ : ١٣٨ ، السبزواري في الكفاية : ٢٨٥ ، صاحب الرياض ٢ : ٤٤٤.

(٣) السرائر ٢ : ١٣٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤ ، المختلف : ٧١٣.

(٤) كالمسالك ٢ : ٤١٤.

(٥) البقرة : ٢٨٢.

(٦) راجع ص ٢٧٢ ٢٧٤.

(٧) راجع ص ٢٨٧.

(٨) الكافي ٧ : ٣٨٦ ، ٧ ، الفقيه ٣ : ٣٣ ، ١٠٦ ، التهذيب ٦ : ٢٧٢ ، ٧٣٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢ ، ١٠٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢٧١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٥ ح ٣.

٢٩٣

وثالثة : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجاز شهادة النساء في الدين وليس معهنّ رجل » (١).

ومرسلة الحلبي : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجاز شهادة النساء في الدين مع يمين الطالب ، يحلف بالله أنّ حقّه لحقّ » (٢).

وموثّقة منصور بن حازم المرويّة في الفقيه : « إذا شهد لطالب الحقّ امرأتان ويمينه فهو جائز » (٣) ، ورواها في التهذيب بواسطة واحد ثقة (٤).

ثم مقتضى إطلاق غير الاولى من الروايات المذكورة بل صريح الثلاثة الأخيرة سيّما الصحيحة الثالثة قبول شهادتهنّ ولو انفردن عن الرجل ، كما هو الحقّ المحكيّ عن الخلاف والمبسوط والنهاية والإسكافي والقاضي وابن حمزة والشرائع والإرشاد والقواعد والمختلف وشهادات التحرير والشهيدين (٥) ، بل كما قيل : الكليني والصدوق أيضاً (٦) ، وعن الخلاف : الإجماع عليه (٧).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٢ ، ١٠٠ ، التهذيب ٦ : ٢٦٣ ، ٧٠١ ، الإستبصار ٣ : ٢٢ ، ٦٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٦ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢٠.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٠ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٩ ، ٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥١ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٣ ، ١٠٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٧١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٧٢ ، ٧٣٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٩ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣١.

(٥) الخلاف ٢ : ٦٠٧ ، المبسوط ٨ : ١٧٤ ، النهاية : ٣٣٣ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧١٢ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٥٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٢٢ ، الشرائع ٤ : ١٣٧ ، القواعد ٢ : ٢٣٩ ، المختلف : ٧١٣ ، التحرير ٢ : ٢١٢ ، الشهيد في الدروس ٢ : ١٣٧ ، ١٣٨ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٤٧.

(٦) انظر الرياض ٢ : ٤٤٤.

(٧) الخلاف ٢ : ٦٠٧.

٢٩٤

لما ذكر من الإطلاقات والعمومات الخالية عن المعارض بالمرّة.

خلافاً للسرائر والنافع وعن قضاء التحرير والتنقيح (١).

للاقتصار على موضع الإجماع ومنصوص الكتاب.

ومفهوم الصحيحة الأُولى.

وظاهر مرسلة يونس : « استخراج الحقوق بأربعة [ وجوه ] : بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعى ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه » (٢).

حيث حصر الاستحقاق بالأربعة ، وليس منها النساء المنفردة ؛ مضافاً إلى تصريحها بأنّه إن لم يكن رجل فيرجع إلى يمين المدّعى عليه.

وصحيحة إبراهيم بن محمّد الهمداني : امرأة شهدت على وصيّة رجل لم يشهدها غيرها ، وفي الورثة من يصدّقها ، ومنهم من يتّهمها ، فكتب عليه‌السلام : « لا ، إلاّ أن يكون رجل وامرأتان ، وليس بواجب أن تنفذ شهادتها » (٣).

ويرد على الأول : أنّ الاقتصار على المجمع عليه والمنصوص إذا لم يكن دليل على غيرهما.

وعلى الثاني : أنّ التقييد في كلام الراوي ، ولا اعتبار بمفهومه ؛ مع أنّ مفهومه أيضاً ليس من المفاهيم المعتبرة.

وعلى الثالث : أنّ مفهوم الحصر عامّ يجب تخصيصه بالدليل ، كما‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ١١٦ ، ١٣٨ ، النافع : ٢٨٨ ، التحرير ٢ : ١٩٣ ، التنقيح ٤ : ٣٠٧.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٦ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ، ٥٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٧١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٥ ح ٢ ؛ وما بين المعقوفين من المصادر.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٦٨ ، ٧١٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٨ ، ٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٠ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣٤.

٢٩٥

خصّصه في نفس المرسلة أيضاً ، حيث صرّحت بالثبوت باليمين المردودة أيضاً.

وكذا مفهوم : إن لم يكن رجل ؛ مع أنّ المذكور فيها : « فإن لم يكن شاهد » ، وإطلاق الشاهد على المؤنّث شائع.

وعلى الرابع : أنّه مخالف لعمل الأصحاب ، ومعارض بالأخبار الكثيرة من ثبوت الوصيّة بالمال ، كما يأتي.

فروع :

أ : يشترط في الحكم بشهادتهنّ هنا منفردات عن الرجال ضمّ اليمين وإن كنّ أربع نسوة ، بلا خلاف فيه يوجد ، بل جعله بعض مشايخنا المعاصرين قطعيّاً (١).

ويدلّ عليه مفهوم الحصر في المرسلة ، حيث جعلت استخراج الحقوق الذي هو الحكم بالأربعة ، خرج منها : النساء مع الرجل بالإجماع والكتاب والسنّة ، ومع اليمين بصحيحة الحلبي الثانية ومرسلته والموثّقة ، حيث إنّه لا يمين مع الرجال إجماعاً ، فبقي الباقي.

ولا تخرجه رواية السكوني ، ولا الرضوي ، ولا الصحيحة الثالثة ، من جهة عدم اشتمالها على ذكر اليمين ، لان قبول الشهادة وإجازتها غير الحكم ، واستخراج الحق بها غير مستلزم له ، ولذا ورد قبول شهادة الزوج والولد والأخ وغيرهم ؛ مع أنّه لا يحكم بها الا مع شاهد أو يمين.

مع ان الرضوي ضعيف غير منجبر في المقام ، والصحيحة قضيّة في‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٤٤٤.

٢٩٦

واقعة أو وقائع.

ب : قد سبق في بحث الحكم بالشاهد واليمين من بحث القضاء المراد من الدين ، وانه مال متعلق بالذمة لغةً وعرفاً ، بأي سبب كان ، وهو الدين بالمعنى العام ، الشامل للدين بالمعنى الأخص الذي هو القرض.

وكذا المراد من كون الدعوى في الدين ان يكون هو المقصود من المخاصمة ولو تعلّقت بسببه ، وأنّه يثبت السبب لو كان المقصود من الدعوى هو الدين ، كما لو ادّعى الاشتراء منه بمائة لمطالبة المائة ، فلو ادّعى المؤجر إجارة البيت لأخذ مال الإجارة يكون دعوى الدين ، ولو ادّعى المستأجر الإجارة لم يكن كذلك.

وعلى هذا ، فيشمل الدين للقرض ، والنسية ، والسلف ، وثمن المبيع ، والضمان ، وغرامة التالف ، ودية الجنايات ، وغير ذلك ممّا يتعلّق فيه المال بالذمّة ، ويكون هو المقصود بالدعوى ، سواء تعلّقت به ذاتاً أو بسببه تبعاً.

ج : قد ألحقوا بالدين جميع الدعاوي الماليّة ، أو ما يكون المقصود منه المال ؛ ولأجله حكموا بالقبول في دعوى الرهن والإجارة مطلقاً ، والقراض ، والشفعة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والهبة ، والإبراء ، والوصيّة بالمال ، والصداق ، والإقالة ، والردّ بالعيب ، والغصب ، والسرقة من جهة المال ، والخيار ، وغير ذلك.

وإلحاقهم يشمل ما لو لم يكن هناك دين أيضاً ، كما إذا توافقا في أصل الدين واختلفا في الرهن أو في تعيّنه ، وكما إذا أدّى المستأجر الإجارة ، وكما إذا كانت الوصيّة بالعين ، أو الصداق ، والغصب بها.

ولا أرى لذلك الإلحاق دليلاً ، ولم يثبت لي فيه إجماع ، وإن نقله في‌

٢٩٧

المختلف على الدين والعين (١) ، والحصر في رواية السكوني والمرسلة ينفيه ، وقد أشار بذلك المحقّق الأردبيلي ، حيث قال بعد حكاية القاعدة واحتمال الإجماع عليها ـ : إنّي لا أعرفهما (٢).

وبالجملة : الدليل خير متّبع ، وهو مع عدم الإلحاق ، والاقتصار على موضع الدليل ومحلّ الوفاق ، كما فعله الشيخ في النهاية والحلّي في السرائر والمحقّق في النافع (٣).

نعم ، تقبل شهادتهنّ في الوصيّة بالمال كما يأتي.

المسألة الثانية : يثبت بشهادة النساء منضمّات ومنفردات كلّ ما يعسر اطّلاع الرجال عليه غالباً كالولادة ، والبكارة ، والثيبوبة ، والحيض ، وعيوب النساء الباطنة ، كالقَرْن (٤) والرَّتَق (٥) والقرحة في الفرج بلا خلاف يوجد ، كما صرّح به جماعة منهم ابن زهرة (٦) لمسيس الحاجة ، والمعتبرة المستفيضة.

منها : الروايات الأربع لمحمّد بن الفضيل ، وأبي بصير ، والخارقي ، ورواية السكوني ، المتقدّمة في المسألة الثانية من القسم الأول (٧).

ومنها : صحيحة الحلبي : عن شهادة القابلة في الولادة ، قال : « تجوز‌

__________________

(١) المختلف : ٧١٣.

(٢) انظر مجمع الفائدة ١٢ : ٤٢٣.

(٣) النهاية : ٣٣٣ ، السرائر ٢ : ١١٦ ، المختصر النافع : ٢٨٨.

(٤) القَرْن : العفلة ، وهو لحم ينبت في الفرج ، وفي مدخل الذكر ، كالغدّة الغليظة ، وقد تكون عظماً مجمع البحرين ٦ : ٢٩٩.

(٥) الرَّتَق : هو أن يكون الفرج ملتحماً ليس فيه للذكر مدخل مجمع البحرين ٥ : ١٦٧.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٧) راجع ص ٢٧٣ ٢٧٤.

٢٩٨

شهادة الواحدة » وقال : « تجوز شهادة النساء في المنفوس والعذرة » (١) ، ونحوها صحيحة عبيد الله الحلبي (٢).

وصحيحة ابن سنان : « تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس » (٣).

أقول : المنفوس : الولد.

وموثّقة ابن بكير : « تجوز شهادة النساء في العذرة ، وكلّ عيب لا يراه الرجال » (٤).

ورواية داود بن سرحان : « أُجيز شهادة النساء في الصبي صاح أو لم يصح ، وفي كلّ شي‌ء لا ينظر إليه الرجل تجوز شهادة النساء فيه » (٥).

ورواية السكوني الواردة في امرأة شهدت النساء المأمورات بالنظر إليها بالبكارة ـ : « وكان يجيز شهادة النساء في مثل ذلك » (٦) ، وبمضمونها رواية زرارة (٧).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٠ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٩ ، ٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥١ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٣١ ، ٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٤ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٤٦.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩١ ، ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٦٤ ، ٧٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٣ ، ٧٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٣ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٠.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩١ ، ٧ ، التهذيب ٦ : ٢٧١ ، ٧٣٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٣ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٩.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩٢ ، ١٣ ، التهذيب ٦ : ٢٦٨ ، ٧٢١ ، الإستبصار ٣ : ٢٩ ، ٩٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٤ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٢.

(٦) الكافي ٧ : ٤٠٤ ، ١٠ ، التهذيب ٦ : ٢٧٨ ، ٧٦١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٤ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٣.

(٧) الفقيه ٣ : ٣٢ ، ٩٧ ، التهذيب ٦ : ٢٧١ ، ٧٣٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٣ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٤٤.

٢٩٩

والصحاح الثلاث لمحمّد (١) ، والعلاء (٢) : هل تجوز شهادتهنّ وحدهنّ؟ قال : « نعم في العذرة والنفساء » ، إلاّ أنّه ليس في إحدى صحيحتي محمّد لفظ : وحدهن.

وموثّقة البصري (٣) ، وروايته : « تجوز شهادة النساء في المنفوس والعذرة » (٤).

ويشترط حيث كنّ منفردات كونهنّ أربعاً على الأصحّ الأشهر ، بل عليه ـ كما قيل (٥) عامّة من تأخّر ؛ لأنّ قبول شهادتهنّ مخالف للأصل بالحصرين المتقدّمين ، فيقتصر فيه على موضع اليقين ، وليس إلاّ الأربع ؛ لورود المجوّزات كلاّ بلفظ : النساء ، الذي هو صيغة الجمع ، الغير الصادق حقيقةً إلاّ على ما زاد على الاثنين ، وبضميمة الإجماع المركّب يتعيّن الأربع فما زاد.

واحتمال كون الجمعيّة باعتبار القضايا فلا ينافي اعتبار الوحدة في بعضها ـ غير مفيد ؛ إذ لا يصار إلى خلاف الأصل بمجرّد الاحتمال.

__________________

(١) صحيحة محمد الأُولى : الكافي ٧ : ٣٩١ ، ٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٣ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٨.

الثانية : التهذيب ٦ : ٢٧٠ ، ٧٢٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ٩٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٦ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٩.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ٩٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٦ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٨.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٢ ، ١٠ ، التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٩ ، ٩٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٥ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٤.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٧٠ ، ٧٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ١٠٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٦ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢١.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٤٤٥.

٣٠٠