مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

والدليل عليه : صحيحة عليّ : عن السائل الذي يسأل في كفّه ، هل تقبل شهادته؟ فقال : « كان أبي عليه‌السلام لا يقبل شهادته إذا سأل في كفّه » (١).

وموثّقة محمّد : « ردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة السائل الذي يسأل في كفّه » ؛ قال أبو جعفر عليه‌السلام : « لأنّه لا يؤمن على الشهادة ، وذلك لأنّه إن اعطي رضي ، وإن مُنِعَ سخط » (٢).

دلّ التعليل على أنّ صاحب ذلك الوصف ليس مأموناً عن شهادة الزور والكذب ما دام كذلك ، فلا تعرف عدالته ؛ لأنّ من لا يظنّ عدم ارتكابه الكذب وشهادة الزور كيف يُعرَف بالعدالة؟! فلا يكون ذلك عادلاً ، ويكون هذا الوصف مانعاً عن الحكم بالعدالة بمعرّفاته أولاً ، فلا تعارض بين الروايتين وعمومات قبول شهادة العدل.

نعم ، لو عرف أولاً بالعدالة ثم صار سائلاً بالكفّ يلزم استصحاب عدالته وقبول شهادته ؛ إذ غايته عدم الأمن من كذبه ، الذي مرجعه إلى الشكّ أو الظنّ ، ولا عجب فيه إن لم يثبت الإجماع المركّب ، فتأمّل جدّاً (٣).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٧ ، ١٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ ، ٦٠٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٢ ، أبواب الشهادات ب ٣٥ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٧ ، ١٣ ، التهذيب ٦ : ٢٤٣ ، ٦٠٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٢ أبواب الشهادات ب ٣٥ ح ٢.

(٣) في « ح » : لا يقال : حكم الشارع بعدم كونه مأموناً حكمٌ بوجود الشكّ أو الظنّ بالخلاف ، وهو منافٍ للاستصحاب الذي هو عدم نقض اليقين السابق فيجب رفع اليد عن الاستصحاب هنا ؛ لأعمّيته.

قلنا : هذا إذا كان معناه أنّه ليس مأموناً شرعاً.

ويمكن أن يكون المراد أنّه غير مأمون واقعاً وإن كان مأموماً ظاهراً ؛ للاستصحاب.

وفيه : أن لا بدّ في صحّة الحكم من كلّيّة الكبرى ، فلو كان المراد أنّه غير مأمون واقعاً لم تصحّ كلّية الكبرى ، وهي : أنّ كل غير مأمون واقعاً لا تقبل شهادته ؛ إذ ليس كذلك ، فإنّ المأمون الاستصحابي تقبل شهادته ، فيجب أن يكون المراد أنّه غير مأمون شرعاً ، فيكون هذا منافياً لاستصحابه ، فلا يكون عادلاً بالاستصحاب أيضاً ، فلا تقبل العدالة الأولية أيضاً ؛ لعدم صحّة استصحابهما هنا. وهذا هو وجه التأمّل منه رحمه الله تعالى.

٢٦١

المسألة التاسعة : قالوا : التبرّع بأداء الشهادة قبل الاستنطاق بها يمنع القبول ، سواء كان قبل دعوى المدّعى أم بعدها ، بلا خلاف فيه كما في الكفاية ، بل قال : إنّه المعروف من مذهب الأصحاب (١). قيل : ويظهر من المسالك (٢). وقيل : ولم يظهر لي ذلك من المسالك.

قال في الكفاية : ومستنده بعض الروايات ، وكون ذلك موضع تهمة.

ومراده من الرواية ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال في معرض الذمّ : « ثم يجي‌ء قوم يعطون الشهادة قبل أن يُسألوها » (٣).

وفي آخر : « ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يُستشهَد » (٤).

قال : في الكلّ نظر.

أقول : أمّا وجه النظر في الرواية فواضح.

أمّا أولاً : فلضعف الرواية ؛ لأنّها غير مذكورة في أصل معتبر ، بل الظاهر كما صرّح به الأردبيلي أنّها عامّية ، ودعوى انجبارها فاسدة ؛ لأنّها إنّما تدلّ على الذمّ والجرح ، والفتوى به غير مشهورة ، بل في المسالك : أنّه ليس جرحاً عندنا (٥).

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٢٨٢.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٤٤٠.

(٣) مسند أحمد ٤ : ٤٢٦.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩١.

(٥) المسالك ٢ : ٤٠٨.

٢٦٢

نعم ، ذهب إليه بعض أصحابنا كما يأتي.

وأمّا ثانياً : فلأنّها لو صحّت لدلّت على عدم الجواز دون الردّ ، كما ذهب إليه في السرائر (١).

وأمّا ثالثاً : فلمعارضتها مع مثلها ، حيث روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال « خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يُسألَها » (٢).

وأمّا وجه النظر في كونه موضع التهمة فيظهر ممّا ذكره الأردبيلي ، قال : وأنت خبير أنّ التهمة غير ظاهرة ، خصوصاً إذا كان جاهلاً ، فإنّا نجد كثيراً مَن يشهد قبل الاستشهاد من غير ميل إلى إثبات المشهود ، بل قد يكون إلى عدمه أميل ؛ لغرض مثل : فقر المشهود عليه ، أو مصاحبته ، أو عداوة المشهود له ؛ اعتقاداً لوجوب الشهادة وتحريم كتمانها ، كيف؟! والعدالة تمنع من الشهادة على الكذب مع العلم بقبحه والوعيد في الكتاب والسنّة وتحريمه بإجماع المسلمين (٣). انتهى.

بل نحن شاهدنا شهادات تبرّعية غير محصورة كثرةً لم يكن لشاهدها ميل أصلاً ، سيّما مع تخصيص التبرّع بما كان قبل استنطاق الحاكم كما في كلام بعضهم (٤) ولو كان أحضره المدّعى للشهادة ، أو طلبه الحاكم لذلك.

بل كان تبرّعه لأحد الوجوه التي ذكرها الأردبيلي ، أو لزعمه كفاية الإحضار لأجل الشهادة في ذلك ، أو لأجل شغل له يريد أداء الشهادة والذهاب ، أو لأجل أنّه مائل إلى إحقاق الحقّ ويزعم أنّ المدّعى أو الحاكم‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٣٣.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٤ ، ١٧١٩.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٩٩ ٤٠٠.

(٤) انظر الرياض ٢ : ٤٤٠.

٢٦٣

لا يعلم بكونه شاهداً ، أو لتعجّبه في الإنكار ، أو نحو ذلك.

بل من احتمل في حقّه التهمة لم نشاهده إلاّ نادراً ، والتهمة فيه أيضاً حصلت من امور أُخر زائدة على التبرّع.

ومن هذا يظهر ما في كلام بعض مشايخنا المعاصرين من عدّ صورة عدم التهمة من الأفراد النادرة (١).

ومن أقوى الشواهد على عدم إيجابه للتهمة وأنّ مَن منعها من القدماء ليس لأجلها تفرقتهم فيه بين حقوق الآدميّين وغيرها ؛ إذ لو كان التبرّع موجباً لها لما كان فيه فرق بين الحقّين ، وكان الردّ في حقّ الله أظهر ؛ لوجوب درء الحدود بالشبهات ، ولذا تردّ شهادة سائر المتّهمين في حقّ الله عند من يعتبر عدم التهمة.

وعمدة ما جعلوه دليلاً للتفرقة جارٍ في الموضعين كما يأتي.

وعلى هذا ، فالحقّ هو القبول كما هو ظاهر المحقّق الأردبيلي (٢) ، ويظهر من الكفاية الميل إليه (٣) ، وهو صريح الحلّي في السرائر ، وإن قال بعدم جواز التبرّع وكونه مذموماً كما هو مذهب العامّة ، قال : لا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يُسأل عن الشهادة ، كما لا يجوز له كتمانها وقد دعي إلى إقامتها ، إلاّ أن تكون إقامتها تؤدّي إلى ضرر على المشهود عليه لا يستحقّه على ما قدّمناه ، فإنّه لا يجوز حينئذٍ إقامة الشهادة وإن دعي إليها.

أو يكون فيما قلنا إنّه لا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يُسأل‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٤٤٠.

(٢) مجمع الفائدة ١٢ : ٤٠٠.

(٣) كفاية الأحكام : ٢٨٢.

٢٦٤

الشهادة ترك شهادته يبطل حقّا قد علمه فيما بينه وبين الله تعالى ، فيجوز له ـ بل يجب عليه أن يشهد به قبل أن يُسأل عن الشهادة (١). انتهى.

ونسب فيه هذا القول إلى الشيخ في النهاية ، وقال : إنّ في كلامه التباساً وإيهاماً.

أقول : قال في النهاية : ولا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يُسأل عن الشهادة ، كما لا يجوز كتمانها وقد دعي إلى إقامتها ، إلاّ أن تكون شهادته تبطل حقّا قد علمه فيما بينه وبين الله تعالى ، أو تؤدّي إلى ضرر على المشهود عليه لا يستحقّه ، فإنّه لا يجوز له حينئذٍ إقامة الشهادة وإن دعي إليها (٢). انتهى.

قال في السرائر : وشيخنا في نهايته قد أورد المسألتين ، واستثنى استثناءين عقيبهما ، فيهما التباس وإيهام ؛ لأنّ استثناء المسألة الأولة عقيب المسألة الثانية ، واستثناء المسألة الثانية عقيب المسألة الأولة ، فلا يفهم بأول خاطر ، بل يحتاج إلى تأمّل ، وردّ الاستثناء الأول إلى المسألة الأولة ، وردّ الاستثناء الأخير إلى المسألة الثانية ، وقد زال الالتباس والإيهام ، فكم من معنى ضاع لقصور العبارة ولسوء الإشارة (٣). انتهى.

أقول : مراده من المسألة الأولة ما ذكره بقوله : ولا يجوز للشاهد ، إلى آخره.

ومن المسألة الثانية ما ذكره بقوله : كما لا يجوز كتمانها وقد دعي إلى إقامتها.

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٣٣.

(٢) النهاية : ٣٣٠.

(٣) السرائر ٢ : ١٣٣.

٢٦٥

ومن استثناء المسألة الأولة ما ذكره بقوله : إلاّ أن تكون شهادته.

ومن استثناء المسألة الثانية ما ذكره بقوله : أو تؤدّي الى ضرر ، إلى آخره ، ( على ما هو ظاهره أيضاً ) (١).

ثم إنّ ما ذكرنا من قبول شهادة المتبرّع إنّما هو من جهة كونه شهادة التبرّع.

وللتبرّع صورة توجب ردّها لأجل أنّه ادّعاء.

بيان ذلك : أنّ للمتبرع بالشهادة صوراً كثيرة :

منها : ما إذا ادّعى زيد على عمرو عند الحاكم ، يطلب الحاكم منه البينة ، وأحضر هو خالداً للشهادة ، أو أحضره الحاكم وهو يحضر ، ويشهد قبل استنطاق الحاكم ، أو قبل استنطاق المدّعى ، أو غيرهما ، بعد تكرار المدّعى الدعوى بحضوره.

ومنها : ما ذكر أيضاً ، إلاّ أنّه يشهد قبل التكرار.

ومنها : ما يكون حاضراً بنفسه من غير إحضار لذلك في مجلس المرافعة ، ويشهد بعد الدعوى من غير سؤال عنه.

ومنها : ما إذا أشهده زيد على حقّه ليشهد لو وقع التنازع ، ولم يحضر وقت الأداء ، أو سافر زيد ، ويريد خالد المسافرة ، ويجي‌ء عند الحاكم ويقول : عندي هذه الشهادة ، فإن ادّعى زيد وأنكر عمرو فأنا شاهد بالحقّ ، ربّما لم أرجع من السفر حين الحاجة.

ومنها : ما إذا جاء خالد عند الحاكم بعد دعوى زيد ، ويقول : عندي شهادة لزيد وهو لا يعلمها ، أو يقول ذلك لزيد.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ح ».

٢٦٦

ومنها : ما إذا لم تسبق دعوى عن زيد ولا إنكار عن عمرو ، فيجي‌ء عند الحاكم ويقول : لزيد كذا وكذا على عمرو ، أو يجي‌ء مع زيد ويشترك معه في ذكر استحقاق زيد ، ونحو ذلك.

وهذه الصورة الأخيرة هي التي يجب أن لا تسمع فيها الشهادة ؛ لأنّها ليست شهادة عرفاً ، بل هي دعوى فضوليّة أو تبرّعية.

ولعلّ لذلك طلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاهدَين من غير الأنصار في القتل المتقدّم ذكره (١) ؛ حيث إنّ جميع الحاضرين من الأنصار كانوا من ذلك القبيل.

ولا يبعد أن تكون هذه الصورة أيضاً مراد كثير من القوم ، وهو المناسب لاستثناء حقّ الله ، واستدلالهم بأنّه لا مدّعي بخصوصه ، وأنّه واجب ونهي عن المنكر ، ونحو ذلك.

ثم إنّ الأكثر كما أُشير إليه خصّوا الردّ بما إذا كان من حقوق الآدميين (٢) ، واختلفوا في حقوق الله المحضة والمشتركة (٣) ، واستدلّوا بالسماع فيها واستثنائها بوجوه بين موهونة أو مشتركة بينها وبين حقوق الآدميين. وبعد ما عرفت من عدم دليل على الردّ في حقّ الآدمي أيضاً فيكون السماع هنا أظهر ، ولا حاجة إلى ذكر أدلّتهم الموهونة.

نعم ، يصحّ الاستثناء في الصورة الأخيرة التي ذكرنا عدم القبول فيها في حقّ الآدمي من جهة أنّه يكون حينئذٍ مدّعياً ، ولا تقبل شهادة المدّعى ؛ حيث إنّ عدم قبول شهادة المدّعى مخصوص بحقّ الآدمي ؛ إذ نسبة حقّ الله سبحانه إلى الجميع واحد ، فليس له مدّع بل الكلّ شاهد ؛ ولعلّ إلى ذلك يشير استدلالهم للاستثناء بأنّه لا مدّعي لها.

__________________

(١) راجع صحيحتي العجلي وزرارة المتقدّمتين في ص ٢٣١ و ٢٣٢.

(٢) كما في الروضة ٣ : ١٣٤ ، والرياض ٢ : ٤٤٠.

(٣) انظر المفاتيح ٣ : ٢٨١.

٢٦٧

أو يقال : إنّها لو لم تقبل في حق الله لزم سقوطه ؛ إذ كلّ شاهد مدّع ومتبرّع ، والسقوط باطل. وفيه تأمّل.

فروع :

أ : يظهر من بعضهم : أنّ الحرص على الشهادة مانع عن قبولها ولو كان من جهة اخرى غير الشهادة قبل الاستنطاق أيضاً ؛ لإيجابه التهمة (١).

وبعد ما ذكرنا من عدم دليل تامّ على الردّ بالتهمة مطلقاً تعلم ضعف ذلك القول.

مع أنّ كون مطلق الحرص موجباً للتهمة ممنوع ؛ بل قد يعلم أنّه من غاية التديّن وعدم تحمّله لخلاف الواقع ، أو لكونه غضوباً في دفع المنكر ، أو لجهات اخرى غير الميل ، كما شاهدناه مراراً.

ب : قالوا : الردّ بالتبرّع ليس لكونه جرحاً ، بل لأنّه تهمة ، فلو شهد في غير ذلك أو بعد ذلك إذا سُئل عنه تقبل. وظاهر المسالك الإجماع على عدم كونه جرحاً (٢).

أقول : قد عرفت تصريح الشيخ والحلّي بعدم جوازه ، وأنّه كالكتمان (٣).

ثم لو كان موجباً للتهمة فلا يوجب السؤال بعده لانتفائها ، بل هي باقية ، فيجب عدم قبولها أيضاً.

نعم ، على ما ذكرنا في الصورة الأخيرة : أنّه لأجل كونه مدّعياً ، فيصحّ‌

__________________

(١) قال به في القواعد ٢ : ٢٣٨.

(٢) المسالك ٢ : ٤٠٨.

(٣) راجع ص ٢٦٣.

٢٦٨

ذلك ؛ لأنّ بعد السؤال يخرج عن كونه كذلك.

ج : قد عرفت أنّ شهادة المتبرّع تقبل في حقّ الله مطلقاً ، وقد وقع الخلاف في الحقوق المشتركة ، ومقتضى الدليل قبولها في حقّ الله ؛ إذ لا مدّعي له ، دون حقّ الآدمي في الصورة التي لا تقبل فيه.

ومن حقوق الله : الوقف للمصالح العامّة ، والوصيّة لها ، وليس المتولّي الخاصّ أو العامّ فيها مدّعياً في الوقفيّة ؛ إذ لا حقّ له مخصوصاً به.

نعم ، له ادّعاء التولية ، ولا تسمع شهادته فيها ، فتأمّل.

المسألة العاشرة : إذا شهد اثنان لشخصين بوصيّة مثلاً ، أو حقّ على شخص ، وشهد الشخصان للشاهدين بمثله ، تقبل شهادتهم جميعاً ؛ للعمومات.

قال المحقّق الأردبيلي : لحصول الشهادة ، وعدم المانع من التهمة المتوهّمة ، فإنّه قد يتوهّم إنّما شهد الأولان لتواطئهما مع الآخرَين أنّهما إن شهدا لهما يشهدان لهما أيضاً ، وذلك توهّم باطل ؛ لبعد العدل بل المسلم عن مثل هذه الخديعة (١). انتهى.

ونفيه التهمة هنا وإثباته في بعض موارد أُخر كالعداوة ، أو التبرّع ، أو نحوهما ـ عجيب.

وكذا لا تردّ باختفاء الشاهد عن المشهود عليه ؛ للتحمّل كما صرّحوا به ، بل ظاهر الشهيد الإجماع عليه (٢) ؛ لما مرّ من العمومات ، ودعاء الحاجة إليه.

المسألة الحادية عشرة : اختلفوا في شهادة بعض الرفقة في الطريق‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٨.

(٢) نقله عن غاية المراد في الجواهر ٤١ : ١٠٠.

٢٦٩

لبعض على قاطع الطريق.

فردّها بعضهم مطلقاً (١).

وفرّق بعضهم بين ما إذا أُخذ منه شي‌ء وتعرّض لذكر المأخوذ منه ، وما لم يؤخذ منه ، أو لم يتعرّض ؛ وبين ما إذا ظهرت العداوة بينه وبين اللصوص ، وما لم تظهر (٢).

ومنهم من قبلها مطلقاً (٣).

ومستند الردّ : ظهور التهمة إمّا مطلقاً أو في بعض الصور ، وإطلاق رواية محمَّد بن الصلت (٤).

ومستند الثاني : العمومات ، ومنع التهمة أو عدم إيجابها للردّ مطلقاً ، وضعف الرواية ، أو معارضتها مع العمومات بالعموم من وجه ، وترجيح العموم.

وبعد ما عرفت ما تقدّم هنا تعلم قوّة الثاني.

السابع من شروط الشاهد : طهارة المولد.

أي عدم كونه ولد الزنا المعلوم كونه كذلك.

فلا تقبل شهادته على الحقّ المشهور بين المتقدّمين والمتأخّرين ، وعن السيّد والشيخ وابن زهرة الإجماع عليه (٥) ؛ للنصوص المستفيضة ،

__________________

(١) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ٢٣٧.

(٢) كالسبزواري في الكفاية : ٢٨٢.

(٣) كالشهيد في الدروس ٢ : ١٢٧.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٤ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٦ ، ٦٢٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٩ أبواب الشهادات ب ٢٧ ح ٢.

(٥) السيد في الانتصار : ٢٤٧ ، الشيخ في الخلاف ٢ : ٦٢٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

٢٧٠

كصحيحة الحلبي (١) ، ومحمّد (٢) ، وموثّقة زرارة (٣) ، ورواية أبي بصير (٤) ، وصحيحة عليّ المرويّة في كتابه (٥) ، المؤيّدة جميعاً بروايات أُخر مصرّحة بأنّ ولد الزنا شرّ الثلاثة ، وأنّه لا ينجب (٦).

وقيل : تقبل إذا كان عدلاً مطلقاً ، حكاه في الكفاية (٧). ولعلّه لعمومات قبول شهادة العدل الراجحة بما ذكرنا سابقاً على الروايات المانعة.

وعن الشيخ وابن حمزة أنّها تقبل في الشي‌ء اليسير دون الكثير (٨) ؛ لموثّقة عيسى بن عبد الله : عن شهادة ولد الزنا ، فقال : « لا تجوز إلاّ في الشي‌ء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً » (٩).

ويجاب عن دليل المخالف الأول : بمنع رجحان العمومات هنا ؛ لمخالفة روايات المنع لمذهب أكثر العامّة كما في المسالك (١٠) ، وتشعر بها رواية أبي بصير.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٤٤ ، ٦١٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٦ أبواب الشهادات ب ٣١ ح ٦.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٥ ، ٦ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ ، ٦١٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٥ أبواب الشهادات ب ٣١ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٦ ، ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ ، ٦١٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٦ أبواب الشهادات ب ٣١ ح ٤.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٥ ، ٤ ، بصائر الدرجات : ٩ ، ٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٤ أبواب الشهادات ب ٣١ ح ١.

(٥) الوسائل ٢٧ : ٣٧٧ أبواب الشهادة ب ٣١ ح ٨ ، البحار ١٠ : ٢٨٧.

(٦) غوالي اللئلئ ٣ : ٥٣٣ ، ٢٢ ، مسند أحمد ٢ : ٣١١.

(٧) الكفاية : ٢٨٣.

(٨) الشيخ في النهاية : ٣٢٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٠.

(٩) التهذيب ٦ : ٢٤٤ ، ٦١١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٦ أبواب الشهادات ب ٣١ ح ٥.

(١٠) المسالك ٢ : ٤٠٩.

٢٧١

مع إشعار رواية عدم نجابته وكونه شرّ الثلاثة (١) ، وعدم جواز إمامته (٢) ، والنهي عن الاغتسال بغسالته ، وأنّه لا يطهر إلى سبعة آباء ، كما في رواية ابن أبي يعفور (٣) بعدم عدالته ، بل يمكن إثباته بذلك ، فلا تدخل في العمومات.

وعن دليل الثاني : بضعفه ؛ لشذوذه وندرته ، كما صرّح به جماعة (٤).

والمسألة قليلة الجدوى جدّاً ؛ لندرة من علم كونه ولد الزنا ، ثم كونه عادلاً ظاهراً.

الثامن من شرائط الشاهد : الذكورة في الجملة.

بمعنى أنّها تشترط في بعض الحقوق دون بعض.

والأول أيضاً على قسمين ؛ لأنّه إمّا تشترط فيه الذكورة المحضة ، فلا تقبل فيه شهادة النساء أصلاً ، لا منضمّة مع الذكور ولا منفردة ؛ أو يشترط فيه وجود الذكر وإن كان مع النساء ، فلا تقبل فيه شهادتهنّ منفردات وإن قبلت منضمّة مع الذكور. فهذه ثلاثة أقسام.

القسم الأول : ما تشترط فيه الذكورة المحضة ، فلا تقبل فيه شهادة النساء أصلاً ، وفيه مسائل :

المسألة الأُولى : يشترط في ثبوت الهلال الذكورة المحضة ، فلا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ، ولا منضمّات مع الرجال ، بلا خلاف‌

__________________

(١) المتقدّمة جميعاً في ص ٢٦٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ١٤ ، ١ ، الوسائل ١ : ٢١٩ أبواب الطهارة ب ١١ ح ٤.

(٤) منهم المحقق في الشرائع ٤ : ١٣٢ ، وصاحب الرياض ٢ : ٤٣٩.

٢٧٢

يوجد في الأول.

وكذا إلاّ عن العماني في الثاني ، حيث قال : شهادة النساء مع الرجال جائزة في كلّ شي‌ء إذا كنّ ثقات (١).

وهو شاذ ، بل عن الغنية الإجماع على خلافه (٢) ، بل هو إجماع محقّق حقيقةً ؛ فهو الدليل عليه ، مضافاً إلى الصحاح الثمان :

لابن سنان : « لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال » الحديث (٣).

وصحيحة الحلبي : « كان عليّ عليه‌السلام يقول : لا أُجيز في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين » (٤).

والأُخرى له أيضاً : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ، ولا تجوز إلاّ شهادة رجلين عدلين » (٥).

وصحيحة حمّاد (٦) وهي كسابقتها والأُخرى (٧) وهي قريبة منها.

وصحيحة محمّد : « لا تجوز شهادة النساء في الهلال » (٨).

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ٢ : ٧١٢.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩١ ، ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٦٤ ، ٧٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٣ ، ٧٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٣ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٠.

(٤) الكافي ٤ : ٧٦ ، ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٧ ، ٣٣٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٨.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٠ ، ٤٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٧ ، بتفاوتٍ يسير.

(٦) الكافي ٤ : ٧٧ ، ٤ ، الفقيه ٢ : ٧٧ ، ٣٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٣.

(٧) التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ٩٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٥ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٧.

(٨) الكافي ٤ : ٧٧ ، ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٢.

٢٧٣

والأُخرى : « لا تجوز شهادة النساء في الهلال ولا في الطلاق » (١).

والعلاء : « لا تجوز شهادة النساء في الهلال » (٢).

ورواية شعيب : « لا أُجيز في الطلاق ولا في الهلال إلاّ رجلين » (٣).

وبهذه الأخبار المعاضدة بعمل الأصحاب بل بظواهر الكتاب والأصل ـ يخصّص إن كان هناك عموم يشمل النساء ثم الهلال.

وأمّا رواية داود بن الحصين : « لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلاّ شهادة رجلين عدلين ، ولا بأس بالصوم بشهادة النساء ولو امرأة واحدة » (٤).

فلا تنافي ما مرّ ؛ لجواز الصوم احتياطاً من دون شهادة أيضاً ، ومع التنافي لا تعارضه ، سيّما مع مخالفتها الإجماع القطعي من الاكتفاء بالمرأة الواحدة.

المسألة الثانية : تشترط في ثبوت الطلاق الذكورة المحضة أيضاً ، ولا تقبل فيه شهادة النساء مطلقاً ، على الأظهر الأشهر بين من تقدّم وتأخّر.

للصحاح الثلاث : لمحمّد وقد تقدّمت والحلبي ، وفيها : عن شهادة النساء في النكاح ، قال : « تجوز إذا كان معهنّ رجل ، وكان علي عليه‌السلام يقول : لا أُجيزها في الطلاق » قلت : تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال : « نعم » الحديث (٥).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩١ ، ٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٣ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٨.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ٩٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٦ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٦ ، ٩٦٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٩.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٩١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٥.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩٠ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦٩ ، ٧٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٩ ، ٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥١ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢.

٢٧٤

وبكير وغيره ، وفي آخرها : « ولا تجوز فيه » أي في الطلاق « شهادة النساء » (١).

والروايات التسع : لشعيب ، وقد تقدّمت ، ومحمّد بن الفضيل (٢) ، والأُخرى له (٣) ، وأبي بصير (٤).

وإبراهيم الخارقي ، وفيها : « تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه ويشهدوا عليه ، وتجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل » إلى أن قال : « ولا تجوز شهادتهنّ في الطلاق ، ولا في الدم » (٥).

وداود بن الحصين : « وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجيز شهادة امرأتين في النكاح عند الإنكار ، ولا يجيز في الطلاق إلاّ شاهدين عدلين » قلت : فأنّى ذكر الله تعالى ( فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) (٦)؟ قال : « ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان » الحديث (٧).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٦١ ، ١٧ ، التهذيب ٨ : ٤٨ ، ١٤٨ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب الطلاق مقدماته وشرائطه ب ١٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩١ ، ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٦٤ ، ٧٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٣ ، ٧٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٢ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٧.

(٣) الفقيه ٣ : ٣١ ، ٩٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٣ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٧.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩١ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٦٤ ، ٧٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٣ ، ٧٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥١ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٤.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩٢ ، ١١ وفيه : عن إبراهيم الحارثي ، التهذيب ٦ : ٢٦٥ ، ٧٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٤ ، ٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٢ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٥ ؛ وفي الجميع لا يوجد : إذا كان معهنّ رجل.

(٦) البقرة : ٢٨٢.

(٧) التهذيب ٦ : ٢٨١ ، ٧٧٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦ ، ٨١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٠ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣٥.

٢٧٥

وزرارة : عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال : « نعم ، ولا تجوز في الطلاق » الحديث (١).

والسكوني : « شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود الله ، إلاّ في الديون ، وما لا يستطيع الرجل النظر إليه » (٢).

والكناني : « شهادة النساء تجوز في النكاح ، ولا تجوز في الطلاق » (٣).

الى غير ذلك من النصوص المتكثّرة التي لا معارض لها.

خلافاً للمحكيّ عن العماني كما مرّ وعن المبسوط والإسكافي ، فقبلاها (٤).

ولم أعثر على دليل لهم سوى عامّ واحد (٥) ، يعارض ما مرّ بالعموم من وجه ؛ لظهور سائر العمومات من الكتاب والسنّة في غير النساء أو الطلاق ، ولو لا ترجيح ما مرّ بالكثرة والأشهريّة ، وشذوذ المخالف ، بل موافقة الكتاب لوجب الرجوع إلى الأصل ، وهو مع ما مرّ.

وسوى ما حكي عن المبسوط من قوله : وروى قبول شهادتهنّ في الطلاق مع الرجال (٦).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩١ ، ٩ ، التهذيب ٦ : ٢٦٥ ، ٧٠٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٤ ، ٧٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٤ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١١.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٨١ ، ٧٧٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥ ، ٨٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٢ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٤٢.

(٣) التهذيب ٦ : ٦٦٧ ، ٧١٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٧ ، ٨٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٧ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢٥.

(٤) حكاه عن العماني والإسكافي في المختلف : ٧١٢ ، المبسوط ٨ : ١٧٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٤٢ ، ٥٩٧ ، الإستبصار ٣ : ١٣ ، ٣٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٨ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٢٠.

(٦) حكاه عنه في الرياض ٢ : ٤٤١.

٢٧٦

وهو أيضاً بالشذوذ مردود ، وبالنسبة إلى ما مرّ مرجوح.

ولا يتوهّم أخصّيته من جميع ما مرّ لاختصاصه بما كان معه رجل ؛ لخصوصيّة رواية داود بذلك أيضاً.

والظاهر عدم الإشكال في تعدّي الحكم إلى الطلاق بالعوض إن قلنا بجوازه ـ أيضاً ؛ لكونه طلاقاً قطعاً.

وهل يتعدّى إلى الخلع والمباراة أيضاً ، أم لا؟

المشهور كما في كلام جماعة (١) : التعدّي ، بل عن الغنية عليه الإجماع البسيط (٢) ، وعن المختلف المركّب (٣).

واستدلّ له بهما ، وفي ثبوتهما إشكال ، ومنقولهما غير حجة.

وبالأصل ، وهو بما أُشير إليه من بعض العمومات مندفع.

وبكونهما من أفراد الطلاق وبمعناه ، وقبوله مشكل.

إلاّ أنّه يمكن إثباته بقولهم عليهم‌السلام في الروايات المتكثّرة من الصحاح وغيرها : « وكان الخلع تطليقة » و : « خلعها طلاقها » (٤).

وكذا في المبارأة أيضاً.

ولكن في بعض الروايات الجاعلة لهما قسمين للطلاق إشعارٌ بالتباين ، مضافاً إلى أنّ عدّهما تطليقة ليس صريحاً في كونهما طلاقاً ، إلاّ أنّه يمكن التعدّي بالأصل ، وردّ العامّ المذكور بالشذوذ في المورد.

وحكي هنا قول آخر بالتفصيل ، فتردّ لو كان المدّعى المرأة ، وتقبل‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤١٣ ، وصاحب الرياض ٢ : ٤٤١.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٣) المختلف : ٧١٤.

(٤) الوسائل ١٥ : ٤٩٠ أبواب الخلع والمباراة ب ٣.

٢٧٧

لو كان الرجل ؛ لتضمّنه دعوى المال والدين المستلزمة للبينونة ، وتقبل شهادتهنّ على المال والدين مطلقاً (١).

وهو حسن لو ثبتت الكلّية الأخيرة بحيث تشمل المورد ، وأمّا قبولها وتخصيصها بغير المورد فيتوقّف على ثبوت مخصّصٍ غير الأصل ، فتأمّل.

والمسألة لا تخلو عن الإشكال.

المسألة الثالثة : تشترط في الحدود الذكورة المحضة ـ إلاّ ما استثني ، وما تجي‌ء الإشارة إلى الخلاف فيه بلا خلاف فيه يوجد كما عن الغنيّة (٢) وفي غيره (٣) ، وصرّح بعض متأخّري المتأخّرين بالاتّفاق عليه.

لرواية السكوني المتقدّمة (٤) ، ورواية غياث بن إبراهيم : « لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في القود » (٥) ، ونحوها رواية إسماعيل (٦).

وصحيحة جميل وابن حمران : تجوز شهادة النساء في الحدود؟ قال : « في القتل وحده » (٧).

وأمّا رواية البصري : « تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجل » (٨).

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٤١٣.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٣) كالرياض ٢ : ٤٤٣.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٨١ ، ٧٧٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥ ، ٨٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٢ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٤٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٦٥ ، ٧٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٤ ، ٧٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٨ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢٩.

(٦) التهذيب ٦ : ٢٦٥ ، ٧١٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٤ ، ٧٨ ، الوسائل ٢٩ : ١٤٠ أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب ٢ ح ٨.

(٧) الكافي ٧ : ٣٩٠ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٦ ، ٧١١ ، الإستبصار ٣ : ٢٦ ، ٨٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٠ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١.

(٨) التهذيب ٦ : ٢٧٠ ، ٧٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ ، ١٠٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٦ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٢١.

٢٧٨

والرضوي : « وتقبل » أي شهادة النساء « في الحدود » (١).

فبالشذوذ خارجان عن الحجّية ، فلا يصلحان لمعارضة ما مرّ.

ثم هذه الأخبار كما ترى مختصّة بالحدود ، وقد ألحقوا بها جميع حقوق الله حتى الماليّة أيضاً ، كالزكاة والخمس والنذر الكفّارة ، وصرّح بعضهم بعدم الخلاف فيه (٢) ، وادّعى بعضهم الاتّفاق على انحصار قبول شهادة النساء في الحقوق الماليّة الإنسانيّة.

ولكن الظاهر من الروضة عدم كونه اتّفاقياً ، حيث نسب الإلحاق إلى المصنّف ، فقال : وهذه الأربعة ألحقها المصنّف بحقوق الله سبحانه وإن كان للآدمي فيها حظّ ، بل هو المقصود منها لعدم تعيّن المستحقّ على الخصوص (٣). انتهى.

ومنه يظهر إمكان القدح في شمول دعوى الاتّفاق المتقدّمة على الحصر للمنع في الأربعة أيضاً.

بل يظهر إمكان إرادة الشهيد في الدروس عدم الإلحاق ؛ حيث صرّح بالقبول في الحقوق الماليّة مطلقاً ، ولم يتعرّض لذكر الأربعة (٤).

بل يمكن مثل ذلك في كلام جمع من القدماء كالنهاية والسرائر حيث لا تعرّض فيهما للإلحاق (٥).

وعلى هذا ، فلا يمكن إثبات الإلحاق بالإجماع.

__________________

(١) فقه الرضا «ع» : ٢٦٢ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٤٢٦ أبواب الشهادات ب ١٩ ح ٨.

(٢) كما في الرياض ٢ : ٤٤٣.

(٣) الروضة ٣ : ١٤١.

(٤) الدروس ٢ : ١٣٧.

(٥) النهاية : ٣٣٣ ، السرائر ٢ : ١٣٧ ١٣٩.

٢٧٩

ولذا اقتصر في المسالك في الاستدلال للإلحاق بالأصل (١).

وهو أيضاً مخدوش ، لأنّه إنّما كان صحيحاً لولا عموم أو إطلاق دالّ على قبول شهادة النساء.

مع أنّ رواية عبد الكريم بن أبي يعفور دالّة على قبولها مطلقاً : « تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات ، معروفات بالستر والعفاف ، مطيعات للأزواج ، تاركات للبذاء والتبرّج إلى الرجال في أنديتهم » (٢).

بل يمكن دفع الأصل بالروايات المصرّحة بقبول شهادة النساء في الدين (٣) كما يأتي ، وهذه أيضاً من الديون حقيقةً كما صرح به ( بعضهم (٤) ، وصرّحوا به ) (٥) في بيان إخراج هذه الأُمور من أصل التركة قبل الوصيّة.

واستدلّوا له بقوله سبحانه ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٦). ودعوى تبادر غير ذلك من الديون ممنوعة.

وبما دلّ على قبول شهادة المرأة لزوجها إذا كان زوجها هو المنذور له (٧).

وقد يستأنس للإلحاق بالأخبار المتضمّنة لقبول شهادتهنّ في أُمور‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤١٣.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٤٢ ، ٥٩٧ ، الإستبصار ٣ : ١٣ ، ٣٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٨ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٢٠.

(٣) الوسائل ٢٧ : ٣٥٠ أبواب الشهادات ب ٢٤.

(٤) كصاحب الرياض ٢ : ٤٤٣.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ح ».

(٦) النساء : ١١.

(٧) الوسائل ٢٧ : ٣٦٦ أبواب الشهادات ب ٢٥.

٢٨٠