مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

ومنه يعلم عدم الحاجة الى تعريفه نسب الشاهدين أيضاً ، كما ذكره في الدروس (١) وغيره (٢).

المسألة العاشرة : إذا ثبتت عدالة الشاهد عند الحاكم يحكم بالاستمرار عليها إلى أن يظهر المنافي ؛ للاستصحاب الذي هو كالشاهدين حجة شرعية.

ومنه يظهر أنه لو علم العدالة السابقة ولم يظهر لها مزيل يستصحبها من غير حاجة إلى المزكي ، وكذا الجرح ، إلاّ إذا ادعى الخصم خلافه ، وحينئذٍ فإن أثبته فهو ، وإلاّ فيعمل بمقتضى الاستصحاب ، ولو ادّعى حينئذٍ على خصمه العلم بالخلاف فله إحلافه كما مرّ.

وقيل : إنّما يعمل بالاستصحاب إذا لم تمض مدّة يمكن تغيّر حاله فيها ، وإلاّ جدّد البحث ، ولا تقدير لتلك المدّة ، بل بحسب ما يراه الحاكم (٣). وليس بجيّد.

المسألة الحادية عشرة : قال في التحرير والقواعد : لو أقام المدّعى عليه بيّنة أنّ هذين الشاهدين شهدا بهذا الحقّ عند حاكم فردّ شهادتهما بفسقهما ، بطلت شهادتهما (٤).

أقول : إنّ ردّ الشهادة إمّا يكون مع الحكم للمشهود عليه أو بدونه ، بل تردّ الشهادة ويكتفى به ، ولا يحكم في الواقعة.

وعلى الأخير : إمّا يكون الردّ للفسق بعد دعوى المشهود عليه فسقهما‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٧٩.

(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٣٢.

(٣) حكاه عن بعضٍ في المبسوط ٨ : ١١٢.

(٤) التحرير ٢ : ١٨٤ ، القواعد ٢ : ٢٠٦.

٢٢١

وحكم الحاكم به لعلمه أو شهادة العدلين أو الاستفاضة العلميّة ، أو بدون سبق دعوى.

فعلى الأول : فلا شكّ في بطلان الشهادة ، بل عدم جواز سماع الشهادة للترافع ؛ إذ لا يجوز سماع دعوى حَكَمَ فيها حاكم آخر.

وعلى الثاني : فكذلك أيضاً ؛ لأنّ دعوى المشهود عليه فسق الشاهدين لهذه الواقعة دعوى شرعيّة رفعها إلى الحاكم وإن كانت لأجل أمر آخر وحكم الحاكم بثبوت دعواه ؛ لأنّ ردّ الشهادة هو الحكم بالثبوت ، فيجب إمضاؤه.

وعلى الثالث : فلا وجه لبطلان الشهادة.

وجعل إنكار المدّعى عليه دعوى لفسق الشهود ممنوع ؛ إذ قد يصرّح بعدالتهما ولا يقبله الحاكم ؛ لعلمه بالفسق ، أو عدم قبوله تعديل المدّعى عليه ، وقد يصرّح بعدم العلم بحالهما.

ولا يحضرني حينئذٍ وجه آخر لبطلان الشهادة ؛ لأنّ الثابت عند مجتهد إن كان من قبيل الفتاوى ليس حجّة على غيره وغير مقلّديه ، وإن كان من غيرها فليس حجّة على أحد إلاّ ما كان حكماً بعد التنازع والترافع ، فيكون حجّة في تلك الواقعة خاصّة.

وعلى هذا ، فلو حكم بالفسق في الصورتين الأُوليين أيضاً يكون مخصوصاً بهذا الحقّ من هذا المدّعى على ذلك المدّعى عليه خاصّة ، ولا يتعدّى إلى غير ذلك المورد.

وكذا التعديل عند حاكم آخر.

المسألة الثانية عشرة : لو رضي الخصم بأن يحكم عليه بشهادة فاسق أو فاسقين لم يصحّ ؛ والوجه ظاهر.

٢٢٢

وكذا إن رضي بالحكم بالتعديل بخطّ المزكّي ؛ لأنّه ليس بمقبول ولو شهد عدلان بأنّه خطّه أو عرفه الحاكم.

السادس من شروط الشاهد : أن لا يكون متّهما (١). بلا خلاف يوجد كما قيل (٢) بل بالإجماع كما في المسالك والمفاتيح وشرحه (٣) وغيرها (٤) ؛ للنصوص المستفيضة المعتضدة بالاعتبار ، كالصحاح الأربع.

أحدها لابن سنان : ما يردّ من الشهود؟ قال : فقال : « الظنين والمتّهم » قال : قلت : فالفاسق والخائن؟ قال : « ذلك يدخل في الظنين » (٥).

وثانيهما لسليمان بن خالد (٦) ، وهي كالأُولى ، إلاّ أنّ فيها : « والخصم » مكان : « والمتّهم ».

وثالثها ورابعها لأبي بصير (٧) وعبيد الله الحلبي (٨) ، وهما أيضاً كالأُولى ، إلاّ أن زاد فيهما : « والخصم » بعد : « المتّهم ».

وموثّقة سماعة : عمّا يردّ من الشهود ، فقال : « المريب ، والخصم ،

__________________

(١) وقد تقدّمت خمسةٌ منها ، وهي : البلوغ ، كمال العقل ، الإسلام ، الإيمان ، العدالة.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٤٣٢.

(٣) المسالك ٢ : ٤٠٥ ، المفاتيح ٣ : ٢٧٨.

(٤) انظر الكفاية : ٢٨١.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩٥ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٢ ، ٦٠١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٣ أبواب الشهادات ب ٣٠ ح ١.

(٦) الكافي ٧ : ٣٩٥ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٢ ، ٦٠٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٣ أبواب الشهادات ب ٣٠ ح ٢.

(٧) الكافي ٧ : ٣٩٥ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٤٢ ، ٥٩٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٣ أبواب الشهادات ب ٣٠ ح ٣.

(٨) الفقيه ٣ : ٢٥ ، ٦٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٤ أبواب الشهادات ب ٣٠ ح ٥.

٢٢٣

والشريك ، ودافع مغرم ، والأجير ، والعبد ، والتابع والمتّهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم » (١) ، وقريبة منها مرسلة الفقيه (٢).

ورواية يحيى بن خالد الصيرفي : في رجل مات وله أُمّ ولد قد جعل لها سيّدها شيئاً في حياته ، ثم مات ، فكتب عليه‌السلام : « لها ما أثابها به سيّدها في حياته معروف ذلك لها ، تقبل على ذلك شهادة الرجل والمرأة والخدم غير المتّهمين » (٣).

ورواية سلمة ، وفيها : « إنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض ، إلاّ مجلوداً في حدّ لم يتب منه ، أو معروفاً بشهادة زور ، أو ظنيناً » (٤).

والمرويّ في معاني الأخبار : « لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ، ولا ذي غمز على أخيه ، ولا ظنين في ولاء ، ولا قرابة ، ولا القانع مع أهل البيت » (٥).

والرضويّ : « واعلم أنّه لا تجوز شهادة شارب الخمر ، ولا اللاّعب بالشطرنج والنرد ، ولا مقامر ، ولا تابع لمتبوع ، ولا أجير لصاحبه ، ولا مرأة لزوجها » (٦).

وموثّقة محمّد : « ردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة السائل الذي يسأل في‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٤٢ ، ٥٩٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤ ، ٣٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٥ ، ٦٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٩ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ٧.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٢ ، ٩٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٤ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٤٧.

(٤) الكافي ٧ : ٤١٢ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٥ ، ٥٤١ ، الوسائل ٢٧ : ٢١١ أبواب آداب القاضي ب ١ ح ١.

(٥) معاني الأخبار : ٢٠٨ ، ٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٩ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ٨.

(٦) فقه الرضا «ع» : ٢٦٠ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٤٣٥ أبواب الشهادات ب ٢٧ ح ١.

٢٢٤

كفّه » ؛ قال أبو جعفر عليه‌السلام : « لأنّه لا يؤمن على الشهادة ، وذلك لأنّه إن اعطي رضي ، وإن مُنعَ سخط » (١).

دلّت بعموم العلّة على عدم قبول شهادة المتّهم مطلقاً.

ثم معنى الظنين : هو المتّهم ، من الظنّة ، بمعنى التهمة. قال في الصحاح : الظنين : الرجل المتّهم (٢). فيكون عطف المتّهم عليه في بعض ما مرّ من الروايات عطفاً تفسيريّاً.

ولا ينافيه تصريح الإمام بدخول الفاسق والخائن في الظنين ؛ لدخولهما في المتّهم أيضاً.

وقد يقال : إنّ المراد بالظنين المتّهم في دينه ، ذكره في الوافي (٣).

وعلى هذا ، فإن أُريد بالمتّهم الإطلاق يكون من باب عطف العامّ على الخاصّ.

وإن كان المراد منه المتّهم في هذه الشهادة بخصوصها يكون عطفاً متعارفيّاً.

ويمكن أن يكون المراد بالظنين : المتّهم مطلقاً ، وبالمتّهم : المتّهم في هذه الشهادة ، فيكون من باب عطف الخاصّ على العام.

وكيف كان ، فلا ريب في دلالة هذه الأخبار على ردّ شهادة المتّهم في هذه الشهادة ، كما هو المقصود عن المسألة.

والمراد في المسألة بالمتّهم : من تكون معه حالة موهمة لكذبه أي‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٦ ، ١٣ ، التهذيب ٦ : ٢٤٣ ، ٦٠٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٢ أبواب الشهادات ب ٣٥ ح ٢.

(٢) الصحاح ٦ : ٢١٦٠.

(٣) الوافي ١٦ : ٩٩٥.

٢٢٥

توجب ظنّ ميله في الشهادة وكذبه فيها سواء كانت هذه الحالة موجبة لظنّ الكذب مطلقاً ككونه معروفاً بالكذب ، أو بشهادة الزور ، أو بالارتشاء للشهادة ، أو بالرضا بالعطاء والسخط بالمنع ، كما ذكره في السائل بالكفّ أو لظنّ كذبه لشخص خاصّ ، أو على شخص خاصّ ؛ لصداقة أو عداوة ، أو في واقعة خاصّة ؛ لرجوع النفع أو الضرر فيها عليه.

وليس المراد كون الحالة صالحة لإيجاب ظنّ الميل ولو لم توجبه بالفعل لمعارضة حالة اخرى ، كصديق له المرتبة العليا من التديّن والعدالة ، فإنّ الصداقة وإن كانت معرضاً لذلك الظنّ ولكنّ عدالته وديانته مانعة عن هذا التوهّم والظنّ ؛ إذ مع ذلك ليس متّهماً لغةً ولا عرفاً. بل المراد كونها موجبة لذلك الظنّ بالفعل.

ثم لا يتوهّم أنّ كون الشخص كذلك ينافي كونه عادلاً ؛ لأنّ شهادة الزور والميل في الشهادة من المعاصي الكبيرة ، فلا يجتمع ظنّها في حقّ شخص مع معرفة عدالته ، التي هي العلم باجتناب الكبائر ، أو الظنّ به لا أقلّ.

إذ لو كان ذلك منافياً له لزم ردّ شهادة عادل جَرَحه فاسق ، أو عادل واحد لو حصل الظنّ بقوله ، أو عدلان بالمظنّة أي أخبرا بظنّ جرح فيه إذا أوجب ذلك ظنّ الجرح ، أو مضت مدّة وحصلت أُمور لم يعلم انتفاء العدالة أم لا ؛ مع أنّ كلّ ذلك مخالف للإجماع المقطوع به.

والحلّ : أنّ ذلك الظنّ وإن كان منافياً لمعرفة العدالة الواقعيّة ولكنّه غير منافٍ لمعرفة العدالة الشرعيّة ، التي هي مناط قبول الشهادة ؛ لأنّ الشارع أقام استصحاب العدالة مقام العلم بها واقعاً ، وأمر بعدم نقض العلم بها بالشكّ ولا بالظنّ ، فمثل ذلك الشخص عادل شرعاً.

٢٢٦

فإن قيل : لو عرف أولاً أنّه بحيث لو كان في مقام جرّ نفع أو دفع ضرّ أو عداوة أو صداقة أو نحو ذلك لا يميل في الشهادة فكيف اتّهَمَه بذلك حينئذٍ وظنّ الميل؟! وإن لم يعرفه كذلك ، أو عرفه أنّه لو كان كذلك يظنّ به الميل فلم يعرفه بالعدالة أولاً ، فكيف يستصحب؟! كما إذا لم يعرفه أولاً بأنّه إذا خلى مع أجنبيّة حسناء لا يزني بها ، أو عرفه أنّه لو حصلت له تلك الخلوة يظنّ به الزنا.

قلنا : نقول : إنّه عرفه أنّه لو كان في مقام النفع أو دفع الضرّ أو نحوهما لا يشهد لو كان مخالفاً للواقع ، واتّفق أنّه شهد وظنّ به مخالفة الواقع ، كما أنّ من عرفناه بالعدالة نعرفه أنّه لا يزني ولا يرتكبه البتّة ، فاتّفق إنا رأيناه في خلوة مع أجنبيّة ذات جمال وبهاء ، معروفة بعدم العفّة ، محلول الإزار ، فنحن نظنّ به الزنا ، ولا ينافي ذلك علمنا بعدالته أولاً. فكذا هنا ، قد نعرفه أولاً أنّه لا يشهد بخلاف الواقع ، فاتّفق أنّه شهد وظننّا به خلاف الواقع ، وذلك لا ينافي معرفة العدالة أولاً ، كما لا ينافيها في المثال المذكور.

ولا يقال : إنّه إن عرفته أنّه لو خلا مع المرأة الكذائيّة وحلاّ إزارهما يظنّ أنّه يزني فلم تَعرِف عدالته ، وإن لم يُظَنّ فكيف ظننته بعد المشاهدة؟! وظهر من ذلك معارضة تلك الأخبار الواردة لشهادة المتّهم مع أخبار قبول شهادة العادل بالعموم والخصوص من وجه ، وحيث لا مرجّح لأحدهما على الآخر فيجب الرجوع إلى حكم الأُصول ، وهو هنا مع عدم القبول مطلقاً.

لا يقال : بعد تعارض الفريقين تبقى عمومات قبول شهادة المسلم ،

٢٢٧

ومن ولد على الفطرة ، والرجل الواحد مع اليمين ، ونحوها ، بلا معارض ، فيكون الأصل مع القبول.

قلنا : تعارض أخبار ردّ شهادة المتّهم مع هذه الأخبار أيضاً ، وتعارضهما مع التعارض الأول في مرتبة واحدة ، فيرجع إلى الأصل الأولي ، كما بيّناه مفصّلاً في العوائد.

إلاّ أنّه يمكن منع عدم المرجّح ، بل الترجيح لعمومات قبول شهادة العدل ؛ لموافقة الكتاب ، نحو قوله سبحانه ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ ) (١).

بل شهادة مطلق المسلم ؛ لقوله سبحانه ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) (٢).

وقوله عزّ شأنه ( فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ) (٣) ، وغير ذلك.

وهي من أعظم المرجّحات المنصوصة.

بل بالأحدثيّة ، التي هي أيضاً من المرجّحات المنصوصة المعتنى بها عند القدماء أيضاً ، فإنّ من أخبار القبول ما روي عن العسكري عليه‌السلام (٤).

وبالأكثريّة عدداً ، التي مرجعها إلى الأشهريّة روايةً ، وهي أيضاً من المرجّحات المنصوصة ، فإنّ روايات قبول خبر العدل والخير والصالح والمرضيّ والمسلم ونحوها ممّا تجاوز حدّ الحصر ، وليست روايات ردّ شهادة المتّهم بالنسبة إليها إلاّ أقلّ من نصف عشر ، بل أقلّ.

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) النساء : ١٥.

(٤) انظر تفسير العسكري عليه‌السلام: ٦٥٦ ، ٣٧٤.

٢٢٨

وبالأصرحيّة دلالةً ، فإنّ صراحة روايات القبول واضحة غاية الوضوح ، وليست روايات الردّ بتلك المثابة ، فإنّ منها ما اقتصر فيه على الظنين ، وفسّره الصدوق في معاني الأخبار بالمتّهم في دينه (١) ، وكذا صاحب الوافي (٢) ، وهذا المعنى غير مراد في هذه المسألة ، وخصّه في رواية معاني الأخبار بالظنين في الولاء والقرابة (٣) ، وفسّره الصدوق بالمتّهم بالدعاء إلى غير أبيه والمتولّي لغير مواليه (٤) ، وهو أيضاً غير المطلوب هنا.

ومنها ما صرّح فيه بالمتّهم ، وفيه إجمال من وجوه :

الأول : من جهة المعنى ، فإنّ المراد منه يمكن أن يكون من أُوهِم في حقّه بشي‌ء قبيح وإن لم يظنّ ، كما هو مقتضى مبدأ الاشتقاق.

وأن يكون من نسب إليه بشي‌ء قبيح وهو محلّ استعماله في الأكثر عرفاً وإن لم يقطع ، بل ولم يظنّ في حقّه.

وأن يكون ما ذكرنا سابقاً من أنّه من كانت له حالة يظنّ لأجلها قبيح.

والثاني : من جهة ما اتُّهِمَ به وفيه ، فإنّه يمكن أن يكون الدين والفسق والمعاصي الخاصّة والكذب والشهادة وخصوص هذه الشهادة.

وقيل : المراد هنا من اتُّهم لجرّ نفع لنفسه أو دفع ضرر منه.

والثالث : من جهة من اتُّهم عنده ، فإنّ شخصاً قد يكون متّهماً عند شخص دون غيره ، ويصدق عليه المتّهم ، وليس المراد هنا إلاّ المتّهم عند الحاكم بشهادة الزور ، أي المظنون كونه مائلاً عن الحقّ في الشهادة.

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٠٩.

(٢) راجع ص ٢٢٣.

(٣) الوافي ١٦ : ٩٩٥.

(٤) معاني الأخبار : ٢٠٩.

٢٢٩

والحمل على ذلك المعنى لا دليل عليه ، بل قد يوجب إخراج الأكثر.

وكذا الحمل على جميع معانيه بجميع احتمالاته يوجب خروج الأكثر.

ومع ذلك جُعِلَ في الموثّقة (١) معطوفاً على المريب الذي هو ظاهر فيما يريدونه هنا وظاهر العطف التغاير.

هذا ، مضافاً إلى ما يوهن دلالتها ويوجب إجمالها من جهة عمل الأصحاب أيضاً ؛ حيث إنّهم ذكروا أشياء كثيرة في موجبات التهمة ، ولم يردّوا بها الشهادة ، كشهادة الرجل لزوجته والمرأة لزوجها ، والوالد لولده والولد لوالده ، وشهادة الأخ والصديق والأجير والضيف والوارث ، وشهادة رجلين شهدا هما أيضاً لهما ، مع تصريحهم بأنّ هذه الأُمور موارد للتهمة.

واختلفوا في أشياء كثيرة أيضاً كشهادة الوصيّ والوكيل ورفقاء القافلة وغرماء المديون ونحوهما حتى قال المحقّق الأردبيلي : والظاهر أنّه ليس كلّ متّهم مردوداً ، بل أفراد من المتّهم ، وليس لهم في ردّ شهادة المتّهم ضابطة.

وعدّ مواضع كثيرة تقبل فيها الشهادة ، فقال : ولا شكّ أنّ التهمة هنا أيضاً موجودة ، فقال : وبالجملة : العدالة مانعة من ردّ الشهادة وسبب لقبولها ، ومجرّد التهمة وأيّة تهمة كانت ليست سبباً للردّ ؛ فإنّ العدالة تمنع الخيانة وإن كان له فيها نفع (٢). انتهى.

وقال بعض مشايخنا المعاصرين في بيان وجه الاستشكال في غير محلّ الإجماع : ينشأ من الاتّفاق على كلّ من ردّها بها يعني ردّ الشهادة‌

__________________

(١) أي موثقة سماعة المتقدّمة في ص ٢٢١ و ٢٢٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٢ ، ٣٨٣.

٢٣٠

بالتهمة وقبولها معها مع عدم وضوح الفرق بين المقامين مع اشتراكهما في أصل التهمة ، ولم يذكروا لها ضابطة يرجع إليها في تمييز المانع منها عن قبول الشهادة والمجامع منها معه (١). انتهى.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة : ولا يقدح مطلق التهمة (٢).

ونحوه قال الشهيد في الدروس بزيادة دعوى الإجماع عليه ، قال : وليس كلّ تهمة تُدفَع بها الشهادة بالإجماع (٣). انتهى.

ويظهر من جميع ذلك أنّه لا يثبت إجماع بل ولا شهرة على جعلهم التهمة من حيث هي هي مانعة من قبول الشهادة ، وأنّ بناءهم في الردّ والقبول على أمر آخر وراءها.

ويؤكّد ذلك ما نرى من أنّ في كثير من المواقع التي يقولون بالردّ للتهمة في جميع أفرادها لا تتحقّق التهمة في الجميع ، فإنّ من مواقعها جارّ النفع والشريك.

فإنّا لو رأينا عادلاً متديّناً دخلنا معه في حسابها أنّه يقرّ بالمئات والأُلوف لمحاسبها مع ذهول المحاسب عنها وشاهدناه مراراً كثيرة أنّه يشهد على نفسه بالألف ، فشهد لشريك له بدينار أو مَنّ من الحنطة فيما له أيضاً فيه الشركة ، لا يتّهم عندنا بجرّ النفع أصلاً ، مع أنّهم لا يقبلون شهادته ، ويذكرونه في أفراد الجارّ للنفع والشريك المردود شهادتهما ؛ للتهمة.

وكذا الوصيّ العادل الذي شاهدناه مراراً عديدة أنّه ردّ الوصيّة إذا اطّلع‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٤٣٣.

(٢) الروضة ٣ : ١٣٢.

(٣) الدروس ٢ : ١٢٧.

٢٣١

عليها في حياة الموصي ولم يتعرّض لها مهما جاز له ، وابتلي في موضع بوصية استئجار صلاة وصيام لميّت مع إذنه في التوكيل ، فقال الورثة : أنّه عشرون سنة مثلاً ، وأعطوا ما بإزائها ، فوكّل الوصيّ غيره في استئجارها وأعطى اجرة له من مالها ، ثم شهد الوصيّ بأنّ الموصى به اثنا وعشرون سنة مثلاً ، كيف يكون محلاًّ للتهمة؟! وكذا فيما لو شهد شريك ببيع شريكه الآخر الشِّقص (١) ، فيقال بردّه مطلقاً ؛ لأنّه لأجل استحقاقه الشفعة محلُّ للتهمة ، مع أنّه يمكن أن نعلم أنّه كان يباع هذا الشقص لهذا الشريك أمس بأقلّ من ذلك الثمن ولم يرغب فيه ، ونعلم أنّه ليس له ثمنه بحيث لا يحتمل في حقّه إرادة الأخذ بالشفعة.

وعدّوا من مواضع التهمة : التبرّع بالأداء ، والحرص على الشهادة.

مع أنّا شاهدنا غير مرّة أنّ الأول كان لشغل له يستعجل فيه ، أو جهل بالتوقّف على السؤال ، أو تعجّب في إنكار الخصم.

وكذا الثاني كان لمحض التديّن ، وإرادة دفع الظلم ، ونحو ذلك.

ويظهر من ذلك أيضاً أنّ التهمة ليست أمراً مضبوطاً من حيث المورد ، فإنّها تختلف باختلاف مراتب عدالة الشاهد وشرفه ، وملاحظة أحواله ، وقدر النفع ، وبالأُمور الخارجيّة ، وباطّلاع الحاكم عن حال الشاهد وعدمه ، فربّ مورد يُوهِم الناس ولا يتوهّمه الحاكم لمعرفته ببواطن الشاهد وأحواله ، ويستبعد جعل الشارع مثل ذلك مناطاً للحكم.

وأيضاً من أسباب التهمة : إخبار عادل أو فاسقين بكذب الشاهد في الواقعة ، أو بأخذه الجُعل للشهادة ، فإنّه يتّهم حينئذٍ غالباً ولا تردّ شهادته لذلك.

__________________

(١) الشِّقْص : النصيب ، وفي العين المشتركة من كلّ شي‌ء ، والجمع أشقاص مجمع البحرين ٤ : ١٧٣.

٢٣٢

ويظهر من جميع ذلك أنّ مبنى عمل الأصحاب في ردّ الشهادة بالتهمة وعدمها غير معلوم ولا مضبوط ، والظاهر أنّهم يردّونها غالباً في مواضع يكون فيها دليل آخر أيضاً ، بل شذّ ما لم يوجد فيه دليل آخر وردّوا بها الشهادة ، وهذا يوهن أخبار الردّ بها ودلالتها.

ويظهر من الجميع مرجوحيّة أخبار الردّ عن أخبار قبول خبر العدل بمراتب كثيرة ، بل لنا أن نقول : إنّه يمكن أن يكون المراد بالمتّهم في تلك الأخبار : مجهول الحال ، حيث إنّ الغالب أنّ مع ثبوت العدالة لا تحصل التهمة.

ويمكن أن يكون المراد ولعلّه الظاهر أن المتّهم أولاً بفعل المعاصي أو بمعصية مخصوصة أو بالكذب أو بشهادة الزور غير مقبول الشهادة ؛ لأنّه ليس بعادل معروف ؛ لأنّه لا يعرف مع ذلك الوصف أولاً بالعدالة ، فيكون المراد بيان عدم عدالة المتّهم أولاً ، لا أن يكون يُعرف أولاً بالعدالة ثم يتّهم حتى تستصحب عدالته.

والحاصل : أنّ المراد بيان أنّ من كان متّهماً ابتداءً ليس مقبول الشهادة أي ليس عادلاً كما أنّ المظنون فسقه أو المشكوك أولاً ليس بعادل وإن حكم بعدالته لو حصل الشكّ بعدُ بالمعرفة.

فإن قيل : في صحيحة العجلي : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم ، فوجدوه قتيلاً ، فقالت الأنصار : إنّ فلان اليهودي قتل صاحبنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للطالبين : أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقده برمّته » الحديث (١).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٦١ ، ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٦٦ ، ٦٦١ ، علل الشرائع : ٥٤١ ، ١ ، الوسائل ٢٩ : ١٥٢ أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب ٩ ح ٣.

٢٣٣

وفي صحيحة زرارة : « إنّ رجلاً من الأنصار وُجِدَ قتيلاً في قَلِيب (١) من قُلُب اليهود ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنّا وجدنا رجلاً منّا قتيلاً في قَلِيب من قُلُب اليهود ، فقال : ائتوني بشاهدين من غيركم » الحديث (٢).

فإنّ المراد بالشاهدين في الثانية أيضاً العدلان ، فدلّتا على عدم قبول العدلين منهم. وظاهر أنّ جميعهم لم يكونوا أولياء الدم ، ومع ذلك طلب العدلين من الغير ، وما هو إلاّ لأجل التهمة ، فلم تقبل شهادة العدلين في مواضع التهمة. والصحيحان لاختصاصهما بالعدلين يكونان أخصّين مطلقاً من جميع عمومات القبول وإطلاقاتها ، فيجب تخصيصها بهما كما هي القاعدة.

قلنا أولاً : إنّهما لم يدلاّ على عدم قبول العدلين منهم ، وطلب العدلين من غيرهم لا يستلزم ردّ عدليهم.

وثانياً : أنّه لو كان الردّ هنا للتهمة لكانت لأجل الصداقة أو العداوة الدينيّة أو القرابة أو اتّحاد القبيلة ، وليس شي‌ء منها تُرَدّ به الشهادة إجماعاً ونصّاً ، كما يأتي.

وثالثاً : أنّه يمكن أن يكون ذلك لأجل كون كلّهم أولياء الدم أو كلّهم مدّعين ، كما يصرّح به قوله : « فقال رسول الله للطالبين » غاية الأمر يكون ادّعاء بعضهم ولايةً ، وبعض آخر وكالةً أو تبرّعاً.

__________________

(١) القَلِيب : بئر تحفر فينقلب ترابها قبل أن تُطوى ؛ أو : البئر العاديّة القديمة مطويّة كانت أو غير مطويّة مجمع البحرين ٢ : ١٤٩.

(٢) الكافي ٧ : ٣٦١ ، ٥ ، التهذيب ١٠ : ١٦٦ ، ٦٦٢ ، الوسائل ٢٩ : ١٥٥ أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب ١٠ ح ٣.

٢٣٤

وتلخّص ممّا ذكرنا : أنّه لا دليل تامّاً على اشتراط ذلك الشرط ، والإجماعات المنقولة غير ثابتة ، وإرادته في الجملة منها ممكنة ، بل كما عرفت متعيّنة ، ولو سلّم الإطلاق فهو غير حجّة ، فالصواب رفع اليد عنه ، والرجوع في الموارد التي ذكروها إلى دليل آخر ، فإن وُجِدَ سبب موجب للردّ غير التهمة من إجماع أو دليل غيره فيجعل عنوان الشرط هو ذلك المورد بخصوصه ، وتردّ به ، وما ليس له سبب آخر والمورد هو سبب التهمة خاصّة قبلت الشهادة ، ونُفي الاشتراط.

وصرّح بذلك المحقّق الأردبيلي ، قال في مسألة اختفاء الشاهد للتحمّل : ليس مطلق التهمة رادّاً ، وإنّما يردّ بالتهمة إذا ثبت كونها رادّة بالنصّ أو الإجماع (١).

إلاّ أنّ المتأخّرين لمّا ذكروا جميع تلك الموارد في مطاوي ذلك العنوان فنحن أيضاً نذكرها فيه ، ونتكلّم فيها في مسائل :

المسألة الاولى : لا تُقبَل شهادة يُجَرّ بها نفع إلى الشاهد بالإجماع (٢) ؛ للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة ؛ لاختصاص إطلاقات قبول الشاهد وعموماته ـ بحكم الإجماع القطعي والتبادر والظهور ، بل النصّيّة في كثير من الأخبار بالشاهد للغير ، حتى في صحيحة ابن أبي يعفور ، حيث قال : حتى تقبل شهادته لهم وعليهم (٣) ، فتبقى الشهادة للنفس تحت الأصل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٤٠٢.

(٢) في نسخة « ق » زيادة : في الجملة.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٤ ، ٦٥ ، الإستبصار ٣ : ١٢ ، ٣٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩١ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١.

٢٣٥

ويدلّ عليه أيضاً نحو قوله في الروايات الكثيرة : عن الرجل يدّعي قِبَلَ الرجل الحقّ فلا تكون له بيّنة بماله ، قال : « فيمين المدّعى عليه ، فإن حلف فلا حقّ له » (١).

ولو كانت شهادته لحقّه مقبولة لما توجّه الحلف إلى المدّعى عليه ولم يسقط حقّه بحلفه ، بل يحلف نفسه.

وأصرح من الجميع مرسلة يونس المصرّحة بأنّ : « استخراج الحقوق بأربعة وجوه » إلى أن قال : « فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعى ، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه » (٢) حيث نفى كون نفسه شاهداً.

وعلى هذا ، فتدلّ على عدم قبولها في كلّ موضع من موارد الشركة حصلت فيه التهمة أو الريبة أيضاً الروايات المتقدّمة ؛ لفراغها عن معارضة عمومات قبول الشهادة.

بل تدلّ عليه أيضاً الروايات المتقدّمة ، المصرّحة بعدم قبول رواية الخصم ؛ لأنّه حينئذٍ يكون خصماً إذا كان طالباً لنفعه.

بل تدلّ عليه أيضاً في خصوص العادل مرسلة أبان : عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : « تجوز شهادته إلاّ في شي‌ء له فيه نصيب » (٣).

فإنّ قوله : « تجوز شهادته » يخصّصه بالعادل ، فهي تعارض جميع عمومات القبول لو سلّم بالعموم والخصوص المطلقين ، فتخصّصها (٤) ؛

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٦ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ، ٥٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٤.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧ ، ٧٨ ، التهذيب ٦ : ٢٤٦ ، ٦٢٣ ، الإستبصار ٣ : ١٥ ، ٤٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٠ أبواب الشهادات ب ٢٧ ح ٣.

(٤) في « ح » : فيخصّصهما.

٢٣٦

وهو يمنع عن كون قبول الشهادة المشتركة بين النفس والغير مطلقاً أيضاً ، بمعنى أنّ أصل شهادته ولو في حصّة الغير أيضاً مردودة.

وآخرها يدلّ على ردّ كلّ شهادة فيما للشاهد فيه نصيب.

ولا يضرّ اختصاص السؤال بالشريك ؛ إذ بعد ردّ شهادة شريك شخص في كلّ ماله فيه نصيب تردّ شهادة غير الشريك أيضاً بالإجماع المركّب ، بل يمكن دعوى ظهور العمومات أيضاً فيما كان مخصوصاً بالغير ، فلا يشمل الشهادة المشتركة.

والرضوي : « ولا تجوز شهادة الرجل لشريكه إلاّ فيما لا يعود نفعه إليه » (١).

وأمّا موثّقة البصري : عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد وشهد الاثنان ، قال : « تجوز » (٢).

فمعارضةٌ مع موثّقته الأُخرى : عن ثلاثة شركاء شهد اثنان على واحد ، قال : « لا تجوز شهادتهما » (٣).

مع أنّه يجب الجمع بينهما ، بحمل الاولى على ما لم يكن له فيه نصيب ، بشهادة المرسلة المذكورة.

وقد ظهر ممّا ذكر أنّ المانع عن القبول هو كونها شهادة لنفسه أيضاً ، ووجود نصيب له فيه ، ويحصل حقّ له ، دون مجرّد الاتّهام ، فلا تقبل ولو لم تكن ريبة ولا تهمة ولا خصومة للشاهد في حقّه أيضاً.

__________________

(١) فقه الرضا « عليه‌السلام » : ٢٦١ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٤٣٠ أبواب الشهادات ب ٢٢ ح ٥ ذ ح.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٤٦ ، ٦٢٢ ، الإستبصار ٣ : ١٥ ، ٣٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٠ أبواب الشهادات ب ٢٧ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٤ ، ١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٩ أبواب الشهادات ب ٢٧ ح ١.

٢٣٧

ثم الشهادة الجارّة للنفع المردودة أعمّ من أن يكون النفع ثبوت عين له ، أو منفعة ، أو حقّ ، أو سلطنة بولاية ، أو وكالة ، أو نحو ذلك ؛ لصدق الشهادة للنفس في الجميع ، وصدق المدّعى والخصم لو كان في مقام مطالبة حقّه ، وصدق أنّه شي‌ء له فيه نصيب ، وأنّه يعود إليه نفعه مطلقاً ولو لم يدّعه ولم يطلبه.

وكذا يعمّ ما كان دلالة الشهادة على نصيبه بالمطابقة ، بأن يشهد على حقّه فقط.

أو بالتضمّن ، بأن يشهد على ما هو شريك فيه : أنّه مغصوب في يد فلان.

أو بالالتزام ، بأن يشهد على شي‌ء لشخص آخر يستلزم ذلك ثبوت حقّ له أيضاً ، كأن يشهد الوصيّ على دين للموصي ، أو أحد الشريكين على بيع أحدهما شقصه المستلزم لثبوت حقّ الشفعة له ؛ لصدق العنوان في الكلّ ، أو يشهد أحد الشريكين للآخر بثبوت ما يدّعيه من المال المشترك ، فإنّه وإن كان يشهد للغير ولكنّه يستلزم ثبوت حق له أيضاً.

لا يقال : إنّه ثبت حينئذٍ ما شهد به لغيره دون ما يتعلّق بنفسه.

قلنا : يلزم وجود الملزوم بدون اللاّزم من غير دليل رافع للملازمة.

والحاصل : أنّه لو قبلت شهادته فإمّا تقبل في اللاّزم والملزوم معاً ، أو في الملزوم أي حقّ الغير خاصّة ، أو لا تقبل في شي‌ء منهما. والأول باطل ؛ لما مرّ ، والثاني كذلك ؛ لعدم تخلّف اللاّزم عن الملزوم ، فتعيّن الثالث.

فإن قيل : لِمَ لا يحكم بانتفاء الملازمة هنا ؛ لعمومات قبول الشهادة للغير ، كما قبلت في حكم الحاكم لشريكه؟

٢٣٨

قلنا : لأنّ دليل نفوذ حكم الحاكم على الغير كان يوجب ثبوت الحقّ للشريك ، والإجماع كان [ على ] (١) انتفاء ثبوت حقّه ، وبالأول ثبت الحقّ للشريك ، وبالثاني تخصّص عمومات الملازمة.

ولا دليل هنا على قبول الشهادة للشريك ؛ إذ عرفت ظهور العمومات في الشهادة المخصوصة بالغير ، بل تصريح المرسلة والرضويّ بعدم قبول شهادة العادل فيما له نصيب فيه أو له نفع.

فإن قلت : لِمَ ( ما ) (٢) قلتَ : إنّ عمومات الحكم ظاهرة في الحكم للغير أيضاً خاصّة؟

قلنا : هي كذلك ، والحكم في المورد أيضاً مخصوص بالغير ؛ إذ لا يتحقّق حكم إلاّ مع سبق الدعوى ، والمفروض اختصاص الغير بالدعوى والحكم به. بخلاف الشهادة ، فإنّها لا تتوقّف على سبق الدعوى ، بل هي مشتركة إذا كان المشهود به مشتركاً ؛ مع أنّ النصّ على عدم قبول شهادة العادل فيما له نصيب موجود ، وليس كذلك الحكم.

ثم إنّه تتفرّع على تلك المسألة فروع :

منها : ردّ شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه إذا لم يكن مقسوماً ؛ وتدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكرنا المرسلة والموثّقة المتقدّمتان (٣) ، وكذا موثّقة سماعة المتقدّمة (٤) ، الخالية جميعاً عن معارضة عمومات قبول الشهادة والإطلاقات بالتقريب المتقدّم.

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة السياق.

(٢) ليست في « ح ».

(٣) في ص ٢٣٤ و ٢٣٥.

(٤) في ص ٢٢١.

٢٣٩

ومنها : ردّ شهادة صاحب الدين للمعسر المحجور عليه بفلس ؛ إذ لو قلنا بانتقال المال إلى الغرماء فهو يكون شريكاً ، وإلاّ فيكون له حقّ التسلّط على استيفاء نصيبه منه.

وقال المحقّق الأردبيلي فيه وفي سابقه : لعلّه لا خلاف فيهما (١).

ومنها : شهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه الشفعة ؛ إذ فيه نصيب حقّ الشفعة للشاهد ويعود نفعها إليه ، ويستلزم ثبوت البيع لثبوت الحقّ له ، وهو شهادة للنفس والغير ؛ إذ صدق الشهادة لا يتوقّف على قصد ذلك بخصوصه ، بل يكفي في صدقها قصد ما يتضمّنه أو يستلزمه.

ومنها : شهادة المولى لمملوكه المأذون ؛ لأنّ ماله للمولى.

ومنها : شهادة الغريم للميّت المستوعب دينه تركته ؛ لانتقالها إلى الغرماء ، وأمّا في غير المستوعب فلا تردّ ؛ لعدم نصيب ولا تسلّط له فيه.

ومنها : شهادة الوصيّ في محلّ تصرّفه وولايته ، والوكيل لموكِّله فيما هو وكيل فيه ؛ لاستلزامها ثبوت حقّ التسلّط بالوصاية والوكالة له ، وادّعى في الكفاية شهرة الردّ فيهما (٢) ، بل قيل في الأول : كادت أن تكون إجماعاً (٣).

ويدلّ عليه صدر مكاتبة الصفّار الصحيحة : هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه‌السلام : « إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين » (٤).

فإنّه لو كانت شهادة الوصيّ مقبولة ما احتاج إلى يمين ؛ والحكم في‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٤.

(٢) كفاية الأحكام : ٢٨١.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٤٣٣.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٤ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٣ ، ١٤٧ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ ، ٦٢٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ أبواب الشهادات ب ٢٨ ح ١.

٢٤٠