مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

صورة الردّ أيضاً كذلك.

وجعلها المحقّق الأردبيلي مؤيّدة للقبول (١). ولا وجه له.

وأمّا ما فيها بعد ما ذكر ـ : أيجوز للوصيّ أن يشهد لوارث الميّت صغير أو كبير بحقّ له على الميّت أو غيره ، وهو القابض للوارث الصغير ، وليس للكبير بقابض؟ فوقّع عليه‌السلام : « نعم ، ينبغي للوصي أن يشهد بالحقّ ولا يكتم الشهادة » (٢).

فلا يدلّ إلاّ على جواز شهادته ولا شكّ فيه لا على قبولها ، ولذا قال : « ينبغي أن يشهد ولا يكتم ».

فإن قلت : لِمَ قلت بالقبول في الحكومة ولا تقول به في الشهادة؟

قلنا : لأنّ دليل نفوذ الحكم على الغير مطلقاً يثبت حقّ المولّى عليه ، والملازمة تثبت تسلّط الولي ، حيث لا إجماع على عدم سريان الحكم إليه وعدم حصول التسلّط له.

وأمّا في الشهادة وإن لم يثبت إجماع على عدم السراية ولكن لا دليل على قبول الشهادة المتضمّنة لحقّ لشاهد أيضاً ، بل قد عرفت الدليل على عدمه ، فلا يثبت الملزوم حتى تنفع الملازمة.

وحكي عن الإسكافي القبول فيهما (٣) ويظهر من التحرير قول الشيخ به أيضاً (٤).

وتنظّر فيهما في اللمعة والدروس (٥) وإن كان ظاهره بعد النظر ـ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٥.

(٢) بتفاوت بين المصادر المذكورة أعلاه.

(٣) حكاه عنه في الكفاية : ٢٨١ ، والرياض ٢ : ٤٣٣.

(٤) التحرير ٢ : ٢١١.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ١٣١ ، الدروس ٢ : ١٢٨.

٢٤١

الفتوى بالردّ.

ومال إلى القبول فيهما المحقّق الأردبيلي ؛ استناداً إلى عمومات قبول شهادة العدل ومنع التهمة ، وأيّده بالمكاتبة المتقدّمة (١).

وظهر حال الجميع ممّا ذكرنا.

ومنها : شهادة الوارث لجرح مورّثه عند الجرح وإمكان السراية ، فإنّ الدية تجب له عند الموت ، ذكره في التحرير والقواعد وشرح الإرشاد والدروس والمسالك والكفاية (٢) ؛ ودليلهم في ردّها هو وجود التهمة ، وقد عرفت حالها ، ولا نصيب للشاهد حين الشهادة ، فلا تشمله سائر أدلّة المنع.

والعجب أنّ أكثرهم صرّحوا بقبول شهادة شخص لثبوت مال لمورّثه لو كان ميّتاً ، وكان وقت الشهادة مجروحاً أو مريضاً قبل شهادته ، بل زاد في شرح الإرشاد للأردبيلي : وإن كان تيقّن بموته بعد شهادته (٣).

واستندوا في القبول إلى أنّه إثبات مال لمورّثه لا لنفسه ، وجرّ النفع إليه غير معلوم ؛ لاحتمال أن يموت قبله.

ولا يخفى أنّه إن كان المناط التهمة فإن وجدت فيوجد فيهما ، وإن كان غيرها فلا يوجد فيهما ، واحتمال تقدّم موت الوارث فيهما متحقّق.

وما ذكره في شرح الإرشاد في وجه الفرق بأنّ الموجب لانتقال المال إلى الوارث في الأول الجراحة ، وهي تثبت بالشهادة فلا تقبل ، وفي‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٥.

(٢) التحرير ٢ : ٢٠٩ ، القواعد ٢ : ٢٣٧ ، مجمع الفائدة ١٢ : ٣٨٦ ، الدروس ٢ : ١٢٨ ، المسالك ٢ : ٤٠٥ ، كفاية الأحكام : ٢٨١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٧.

٢٤٢

الثاني الموت ، وهو غير ثابت بالشهادة فتقبل (١).

فهو غريب ؛ لأنّ سبب الانتقال في الأول أيضاً هو الموت دون الجرح ، وإن كان هو سبباً للموت ، فالأقوى فيهما القبول.

ثم بما ذكرنا تظهر جليّة الحال في سائر الفروع التي ترد عليك.

المسألة الثانية : لا تقبل شهادة يُدفَع بها ضرر عن الشاهد كشهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ ، وشهادة الوصيّ والوكيل بجرح شهود ردّ المال الذي للوكيل والوصيّ أخذه بلا خلاف فيه ، وإن وقع الخلاف في الأخيرين أنّه هل هو دفع ضرر أم لا؟ والظاهر أنّ فيهما أيضاً دفع ضرر ، فتُرَدّ شهادة الجميع ، لأنّها أيضاً شهادة للنفس عرفاً ، ويجرّ بها نفعاً لنفسه ، فلا تشملها عمومات القبول ، فتبقى تحت الأصل.

وتدلّ على ردّها مرسلة أبان (٢) ؛ من حيث إنّ فيه نصيباً للشاهد أيضاً ، وموثّقة سماعة (٣) ؛ من حيث إنّ في الشهادة دفع مغرم عن نفسه. ولا تعارضهما العمومات ؛ لعدم شمولها ولا أقلّ من عدم العلم بشمولها لها.

المسألة الثالثة : قالوا : لا تقبل شهادة ذي العداوة الدنيويّة على عدوّه ، وتقبل له ولغيره وعليه إذا كانت لا تتضمّن فسقاً ، بلا خلاف فيهما كما قيل (٤) ، بل عليهما الإجماع في شرح الإرشاد للمحقّق الأردبيلي (٥) ، وظاهر الكفاية الإجماع في الأول (٦) ، والمسالك في الثاني (٧).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٨.

(٢) المتقدّمة في ص ٢٣٤.

(٣) المتقدّمة في ص ٢٢١.

(٤) انظر الرياض ٢ : ٤٣٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٩ ، ٣٩٠.

(٦) كفاية الأحكام : ٢٨٢.

(٧) المسالك ٢ : ٤٠٥.

٢٤٣

دليل الثاني واضح.

وأمّا الأول : فيستدلّ له بأنّها من أسباب التهمة.

وبالروايات المتقدّمة الرادّة لشهادة الخصم الصادق على العدو حقيقةً ، بل هو معناه المطابقي.

وبرواية معاني الأخبار المتقدّمة ، حيث قال : « ولا ذي غمز على أخيه » (١) ، قال الصدوق : الغمز : الشحناء والعداوة (٢). ورواية السكوني : « لا تقبل شهادة ذي شحناء ، أو ذي مخزية في الدين » (٣) والشحناء : العداوة.

ويرد على الأول ما مرّ ، مضافاً إلى منع كونها من أسباب التهمة مطلقاً ، فإنّ العداوة إذا كانت ناشئة عن سبب مقتضٍ لها كفِرْيَة عظيمة ، أو قتل ولد أو والد ونحوه ، وكان العدو في غاية العدالة ، بل قد يعفو عن قوده ، ويحوّل أمره إلى الله ، ولا يرتضي بغيبته وإن فرح قلباً بمساءته فلا نسلّم حصول التهمة ، سيّما إذا كانت الدعوى عليه شيئاً قليلاً في غاية القلّة.

وعلى الثاني أيضاً : ما سبق في روايات التهمة ، ومرجوحيّتها عن معارضاتها ، فإنّ الخصم أيضاً كالمتّهم أعمّ من وجه من العدل ونحوه.

مضافاً إلى عدم معلوميّة صدق الخصم على من لم يظهر العداوة ولم يرد المكافأة والمخاصمة.

وعلى الثالث أيضاً : المعارضة المذكورة مع المرجوحيّة.

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٠٨ ، ٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٩ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ٨.

(٢) معاني الأخبار : ٢٠٩.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧ ، ٧٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ٥.

٢٤٤

فإن ثبت إجماع على الردّ فهو وإلاّ فالقبول أظهر ، إلاّ أن تخرجه العداوة عن العدالة بإفضائها إلى ارتكاب كبيرة من قذف ونحوه أو إلى إصرار على صغيرة ، من غيبة أو إهانة أو نحوهما.

وقد يقال : بأنّ مع العداوة الدنيويّة يشكل فرض حصول العدالة ؛ لأنّ عداوة المؤمن وبغضه لا لأمر ديني معصية ، مع أنّهم ذكروا في تفسير العداوة : أن يسرّ بمساءته ويغتمّ بمسرّته (١). وزاد بعضهم : أن يتمنّى زوال نعمته (٢). والكلّ معاصي عظيمة ، والإصرار عليها كبيرة لو لم نقل بكون كلّ منها بنفسه من الكبائر.

وعلى هذا ، فكيف تجتمع تلك العداوة مع قبول الشهادة حتى يحتاج إلى اشتراط انتفائها فيه؟!

والتحقيق : أنّ العداوة القلبيّة ليست أمراً اختياريّاً تترتّب عليها معصية ، وكذا السرور بالمساءة والمساءة بالسرور ، فإنّ من قتل ولد شخص ، أو هتك عرضه بفرية عظيمة ، أو زنى بامرأته ، أو لاط بولده ، يسرّ بمساءته ويغتمّ بسروره ولو لا من جهة كون تلك الأُمور معصية ، وليس ذلك السرور والمساءة أمراً يكون تحت اختياره حتى يكلّف بعدمه ، بل ربّما لا يرضى بتلك المسرّة والمساءة لنفسه ويجاهد في دفعهما ، ولكنّه يحتاج إلى زمان طويل ومجاهدة عظيمة.

وما ورد في ذمّ العداوة والبغض فالمراد : أنّهما صفتان ذميمتان ـ كالجبن وحبّ الدنيا تجب المجاهدة في دفعهما. وجعلهما من المعاصي إنّما هو إذا أظهر آثارهما وفعل ما يوجب ضرر العدو لا مطلقاً ،

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٠٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٩.

٢٤٥

وحينئذٍ فلا شكّ في الخروج عن العدالة إن أظهرها بكبيرة أو فعل صغيرة ، فلا يلزم إشكال أصلاً ، ولا يحتاج إلى الوجوه التي ذكروها لدفع الإشكال ، من الحمل على عداوة غير المؤمن ، أو العداوة بغير موجب ، وعدم حرمة ما كانت لموجب ، أو عدّها من الصغائر ، مع تفسير الإصرار بالإكثار دون الاستمرار ، وفرض الشهادة في بدو الأمر من غير حصول استمرار ، أو نحو ذلك.

المسألة الرابعة : النسب والقرابة لا يمنعان من قبول الشهادة ـ إلاّ ما يجي‌ء استثناؤه بإجماع الطائفة المحقّق ، والمحكي عن الانتصار والغنية (١) وغيرهما (٢) ، فتقبل من الوالد لولده وعليه ، ومن الولد لوالده ، والأخ لأخيه وعليه ؛ للعمومات ، وخصوص المستفيضة ، كالصحاح الثلاث للحلبي (٣) وابن أبي عمير (٤) وعمّار بن مروان (٥) ، والموثّقين لسماعة (٦) ، ورواية السكوني (٧).

ولا يشترط في قبول شهادة القريب ضمّ شاهد آخر عدل أجنبيّ‌

__________________

(١) الانتصار : ٢٤٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٢) كفاية الأحكام : ٢٨١.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٣ ، ٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٧ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٣ ، ٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٨ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٣.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩٣ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٨ ، ٦٣١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٧ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٢.

(٦) الأُولى : التهذيب ٦ : ٢٤٧ ، ٦٢٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٨ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٤.

الثانية : التهذيب ٦ : ٢٤٧ ، ٦٢٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٧ أبواب الشهادات ب ٢٥ ح ٣.

(٧) التهذيب ٦ : ٢٨٦ ، ٧٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٨ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٥.

٢٤٦

لكمال العدد ، فيكفي ضمّ قريب آخر مماثله أو غير مماثله للكمال ، ويكتفى به لضمّ اليمين ؛ للعمومات.

خلافاً للمحكّي عن نهاية الشيخ (١) ؛ للرواية الأخيرة : « إنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّاً ومعه شاهد آخر ».

وهي مع ضعفها بالشذوذ ، وأخصّيتها عن المدّعى غير دالّة على المطلوب ؛ إذ ليس فيها تصريح بالأجنبي ، فيمكن أن يكون المطلوب إكمال العدد ، بل يمكن ذلك التوجيه في كلام المخالف أيضاً.

واستثني من الأنسباء : الولد إذا شهد على أبيه ، فلا يقبل على الأصحّ ، وفاقاً لأكثر القدماء والمتأخّرين ، كالصدوقين والشيخين والقاضي والديلمي وابن حمزة والحلّي والمحقّق والفاضل في أكثر كتبه وولده في الإيضاح والشهيد في النكت (٢) وغيرهم (٣) ، وعليه دعوى الشهرة في المختلف والتحرير والدروس والمسالك والكفاية (٤) وغيرها (٥) ، بل دعوى الإجماع عن الخلاف والموصليّات للسيّد والسرائر والغنية (٦) ، ولكن خصّ في‌

__________________

(١) النهاية : ٣٣٠.

(٢) الصدوقان في المقنع : ١٣٣ ، المفيد في المقنعة : ٧٢٦ ، الطوسي في النهاية : ٣٣٠ ، الديلمي في المراسم : ٢٣٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣١ ، الحلي في السرائر ٢ : ١٣٤ ، المحقّق في الشرائع ٤ : ١٣٠ ، الفاضل في التحرير ٢ : ٢٠٩ ، والقواعد ٢ : ٢٣٧ والتبصرة : ١٩٠ ، والمختلف : ٧٢٠ ، وولده في الإيضاح ٤ : ٤٢٧.

(٣) انظر الرياض ٢ : ٤٣٤.

(٤) المختلف : ٧٢٠ ، التحرير ٢ : ٢٠٩ ، الدروس ٢ : ١٣٢ ، المسالك ٢ : ٤٠٥ ، الكفاية : ٢٨٢.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٤٣٤.

(٦) الخلاف ٢ : ٦٢٣ ، السرائر ٢ : ١٣٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

٢٤٧

الأخير الإجماع بصورة حياة الأب.

لمرسلة الفقيه المنجبر إرسالها بما مرّ : « لا تقبل شهادة الولد على والده » (١).

وفي الانتصار : وممّا انفردت به الإماميّة القول بجواز شهادة ذوي الأرحام والقرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً من غير استثناء لأحد ، إلاّ ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمداً على خبر يروونه من أنّه : « لا تجوز شهادة الولد على الوالد وإن جازت شهادته له » (٢). انتهى.

وهذا أيضاً خبر آخر مرسل ، معاضد للأول ، منجبر بما هو به انجبر.

ولا يرد عليهما بما أوردناه على أخبار المتّهم من المعارضة لما ذكرنا بالعموم من وجه.

لأنّ تخصيص عدم القبول فيهما بما إذا كان على الوالد مشعر بإرادة العدل ؛ لأنّ غيره لا تقبل شهادته لا له ولا عليه ولا لغيره وعليه ، بل في الرواية الأخيرة تصريح بالاختصاص ، حيث قال : « وإن جازت شهادته له » فإنّه لا تجوز له إلاّ في صورة كونه عادلاً.

وقد يستدلّ أيضاً بقوله سبحانه ( وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً ) (٣).

وقوله عزّ جاره ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (٤).

وفي دلالتهما نظر.

خلافاً للمحكيّ عن السيّد ، فقبله عليه كما يقبله له (٥) ، وقوّاه في‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٦ ، ٧١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٩ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٦.

(٢) الانتصار : ٢٤٤.

(٣) الإسراء : ٢٣.

(٤) لقمان : ١٥.

(٥) الانتصار : ٢٤٤.

٢٤٨

الدروس (١) ، واستقربه في الكفاية (٢) ، وجعله في المفاتيح وشرحه الأصحّ (٣) ، وظاهر التحرير والمسالك وشرح الإرشاد للأردبيلي التردّد (٤) ، بل حكي التردّد عن المقتصر والتنقيح والصيمري أيضاً (٥).

لعمومات قبول شهادة العدل.

وخصوص قوله سبحانه ( كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) (٦).

والجواب عن العمومات بلزوم التخصيص بما مرّ ، وضعف سند الرواية غير ضائر ، ولو سلّم فبما مرّ منجبر.

والآية غير صريحة في القبول ولا ظاهرة.

قيل : لولا وجوب القبول لزم العبث في إقامتها المأمور بها (٧).

قلنا : ليست الآية صريحة ولا ظاهرة في الأمر بالإقامة ، فلعلّ المراد التحمّل ، وفائدة التحمّل لا تنحصر في الإقامة ، بل قد يتحمّل لتذكير المشهود عليه وتنبيهه لو نسي أو غفل ، أو لمنعه عن الإنكار وحيائه عنه (٨).

مع أنّه لو سلّم الأمر بالإقامة فهو كما صرّح به في المختلف والسرائر والمبسوط (٩) لا يستلزم وجوب القبول.

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٣٢.

(٢) الكفاية : ٢٨٢.

(٣) مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٧٩.

(٤) التحرير ٢ : ٢٠٩ ، المسالك ٢ : ٤٠٦.

(٥) التنقيح ٤ : ٢٩٥.

(٦) النساء : ١٣٥.

(٧) انظر الرياض ٢ : ٤٣٥.

(٨) في « ق » : .. أو لمنعه عن الإنكار ، أو إرادة الشروط ، أو لعدم اجترائه على الإنكار وحيائه عنه.

(٩) المختلف : ٧٢٠ ، السرائر ٢ : ١٣٠ ، ١٣٥ ، المبسوط ٨ : ٢١٩.

٢٤٩

بل نفى عنه الخلاف في السرائر ، قال : فإن تحمّلها فالواجب عليه أداؤها وإقامتها إذا دعي إلى ذلك عند من دعا إقامتها عنده ، سواء ردّها أو لم يردّها ، قبلها أو لم يقبلها ، بغير خلاف ؛ لقوله تعالى ( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (١). انتهى (٢).

وقال أيضاً : يجب على الولد أن يقيم الشهادة على والده ، ولا يجوز للحاكم أن يعمل بها. كما أنّ الفاسق إذا دعي إلى شهادة يشهد بها فإنّه يجب عليه أن يقيمها ، ويجب على الحاكم أن لا يعمل بها (٣). انتهى.

قوله : لزم العبث.

قلنا : ممنوع ؛ لأنّه يمكن أن يصير جزءاً لعدد الاستفاضة العلميّة ، أو قرينة لإفادة العلم فيما إذا حصلت أُمور أُخر ؛ بل نقول : إنّ الفائدة غير منحصرة في القبول ، فإنّ الوصول إلى ثواب الله سبحانه وإظهار الحقّ فائدة جليلة من أعظم الفوائد.

روى أبو بصير في الموثّق : في قول الله عزّ وجلّ ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ) (٤) قلت : كيف أقيهم؟ قال : « تأمرهم بما أمر الله عزّ وجلّ ، وتنهاهم بما نهاهم الله عزّ وجلّ ، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم ، وإن عصوك كنت قضيت ما عليك » (٥).

فهكذا حال إقامة الشهادة الغير المقبولة أيضاً.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) السرائر ٢ : ١٣٠.

(٣) السرائر ٢ : ١٣٥.

(٤) التحريم : ٦.

(٥) الكافي ٥ : ٦٢ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ١٧٩ ، ٣٦٥ ، تفسير القمي ٢ : ٣٧٧ ، الوسائل ١٦ : ١٤٨ أبواب الأمر والنّهي وما يناسبهما ب ٩ ح ٢ ، بتفاوتٍ يسير.

٢٥٠

وفي رواية يحيى الطويل : « حسب المؤمن عزّاً إذا رأى منكراً أن يعلم الله عزّ وجلّ من قلبه إنكاره » (١).

فالفائدة التي تترتّب على الإنكار القلبي فقط هي المترتّبة على إقامة شهادة الحقّ التي لا تقبل.

لا يقال : سُئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الحديث الذي جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر » ما معناه؟ قال : « هذا على أن يأمره بعد معرفته ، وهو مع ذلك يقبل منه وإلاّ فلا » (٢).

لأنّا نقول : إنّ النهي عن ذلك حينئذٍ لما فيه من مظنّة الضرر ، حيث كان الكلام مع الإمام الجائر ، كما صرّح به في رواية مفضّل : « من تعرّض لسلطان جائر فأصابته بليّة لم يؤجر عليها ، ولم يرزق الصبر عليها » (٣).

وفي رواية اخرى : « إنّما يُؤمَر بالمعروف ويُنهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ ، أو جاهل فيتعلّم ، وأمّا صاحب سوط أو سيف فلا » (٤).

هذا ، مع أنّه لو كان الأمر في الآية ونحوها للقبول لزم وجوب تخصيص الأمر فيها وكذا في كلّ آية وحديث حثّ بأداء شهادة الحقّ ، وكذا النهي عن كتمان الشهادة والتحذير عليه بالمؤمنين المعروفين عند‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٦٠ ، ١ ، التهذيب ٦ : ١٧٨ ، ٣٦١ ، الوسائل ١٦ : ١٣٧ أبواب الأمر والنّهي وما يناسبهما ب ٥ ح ١ ، بتفاوت.

(٢) الكافي ٥ : ٥٩ ، ١٦ ، التهذيب ٦ : ١٧٧ ، ٣٦٠ ، الخصال : ٦ ، ١٦ ، الوسائل ١٦ : ١٢٦ أبواب الأمر والنّهي وما يناسبهما ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٦٠ ، ٣ ، التهذيب ٦ : ١٧٨ ، ٣٦٣ ، الوسائل ١٦ : ١٢٧ أبواب الأمر والنّهي وما يناسبهما ب ٢ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٦٠ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ١٧٨ ، ٣٦٢ ، الخصال : ٣٥ ، ٩ ، الوسائل ١٦ : ١٢٧ أبواب الأمر والنّهي وما يناسبهما ب ٢ ح ٢.

٢٥١

الحاكم بالعدالة دون غيرهم من الفسّاق والمجهول حالهم ومنهم بالذين يعلمون أنّ معهم عادلاً آخر مثلهم دون الآحاد ومنهم بمن اجتمع فيه سائر شروط القبول وانتفاء المعارض له.

ولا دليل على ذلك التخصيص ؛ مع أنّه إخراج للأكثر ، وهو غير مجوّز عند المحقّقين.

فإن قيل : يمكن أن يكون أمر كلّ أحد بذلك من قبيل خطاب الكفّار بالفروع ، فأُمروا بها بأن يسلموا ويمتثلوا ، فكذا هنا ، أُمروا بأن يتّصفوا بالعدالة ثم يشهدوا.

قلنا : ليس شرط القبول العدالة فقط ، بل معرفة الحاكم عدالته.

فلو سلّمنا أنّهم أُمروا بالاتّصاف بالعدالة ، فهل أُمروا بتعريف عدالتهم عدالتهم عند كلّ حاكم وضمّ عادل آخر مع نفسه ونفى المعارض وجميع سائر الشروط؟! قيل : قال الصادق عليه‌السلام لمن قال له : إنّ شريكاً يردّ شهادتنا ، قال : فقال : « لا تذلّوا أنفسكم » (١).

قلنا : الذلّة إنّما هي إذا كانت عند المخالفين أو للفسق لا مطلقا ؛ مع أنّهم حملوها على التحمّل دون الإقامة.

وقيل أيضاً كما نقله في المسالك إنّ الشهادة على الوالدين معطوفة على الشهادة على الأنفس ، وعطفت عليها الشهادة على الأقربين ، وهما مقبولتان ، فلو لم يقبل ذلك لزم عدم انتظام الكلام (٢).

قلنا : لا يلزم تطابق المعطوف والمعطوف عليه في جميع الأحوال والأوصاف ، ألا ترى أنّه تقبل الشهادة على النفس مطلقاً ، ولا كذلك الشهادة‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٤ ، ١٥١ ، الوسائل ٢٧ : ٤١٢ أبواب الشهادات ب ٥٣ ح ٢.

(٢) المسالك ٢ : ٤٠٦.

٢٥٢

على الوالدين والأقربين ، فتشترط فيها العدالة وضمّ عدل آخر أو اليمين.

قيل : الأمر في الآية يستلزم القبول بالإضافة إلى الوالدة ، فكذا بالنسبة إلى الوالد أيضاً ؛ لأنّهما ذُكِرا في كلمة واحدة (١).

قلنا : القبول في الوالدة ليس ملزوماً للأمر في الآية ، بل إنّما هو أمر عُلِمَ من الخارج.

وممّا ذكرنا ظهر حال الاستدلال بروايتي علي بن سويد السائي (٢) وداود بن الحصين (٣) ، الآمرتين بإقامة الشهادة على النفس أو الوالدين أو الأقربين كما في الاولى ، أو على الوالدين والولد كما في الثانية. والعجب أنّ بعضهم جعلهما من النصوص على القبول (٤).

هذا ، مع ما في ذلك القول من المخالفة للشهرة العظيمة ؛ إذ لم يثبت الخلاف فيها من القدماء إلاّ السيّد (٥) ، وكلامه غير صريح ، بل ولا ظاهر في المخالفة كمااعترف به جماعة ، منهم : الفاضل في المختلف والمحقّق الأردبيلي (٦).

وأمّا المتأخّرون فأكثرهم وافقوا المشهور ، ومَن ظاهره المخالفة فغير النادر منهم لم يجترئوا عليها صريحاً بل ولا ظاهراً ، وإنما تكلّموا في أدلّة الطرفين ، وشيّدوا دليل القبول ، واقتصروا عليه.

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٤٣٥.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٢ ، ١٤٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٠ أبواب الشهادة ب ١٩ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٠ ، ٨٩ ، التهذيب ٦ : ٢٥٧ ، ٦٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٠ أبواب الشهادات ب ١٩ ح ٣.

(٤) كما في المسالك ٢ : ٤٠٥.

(٥) الانتصار : ٢٤٥.

(٦) المختلف : ٧٢٠.

٢٥٣

فروع :

أ : لا ينسحب الحكم إلى الوالد من الرضاع ؛ لعدم صدق الوالد حقيقةً. ويحتمل الانسحاب ؛ لقولهم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١).

ب : في انسحاب الحكم إلى الجدّ وعدمه قولان ، الأول للدروس (٢) ، والثاني للإيضاح والكفاية (٣) ، والقولان كما صرّح به في الإيضاح مبنيّان على صدق الوالد على الجدّ وعدمه ، وقد مرّ تحقيقه في كتاب المواريث (٤).

ج : لو شهد الولد على الوالد وغيره معاً ، قال في القواعد : قبلت على الغير دون الوالد على إشكال (٥). وقال في الإيضاح ببطلانهما معاً (٦).

والتحقيق : أنّه إن لم تكن بين الحقّين ملازمة شرعيّة ولا عقليّة فتقبل في حقّ الغير ، وتردّ في حقّ الوالد. وإن كانت بينهما ملازمة فيشكل ؛ لأنّه يجب إمّا ردّهما معاً أو قبولهما كذلك ، والأصل الذي هو المرجع بعد تكافؤ الاحتمالين ـ يقتضي الأول.

د : مقتضى إطلاق الروايتين عدم الفرق في ردّ شهادة الولد بين حياة الأب وموته حين الشهادة ، كما هو ظاهر إطلاق أكثر الأصحاب هنا ، وإن صرّح بعضهم بالاختصاص بصورة الحياة في موضع آخر (٧) ، وهو حسن لو‌

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٣٧١ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١.

(٢) الدروس ٢ : ١٣٢.

(٣) الإيضاح ٤ : ٤٢٨ ، كفاية الأحكام : ٢٨٢.

(٤) سيأتي كتاب المواريث بعد كتاب الشهادات.

(٥) القواعد ٢ : ٢٣٧.

(٦) الإيضاح ٤ : ٤٢٨.

(٧) انظر الرياض ٢ : ٤٣٤.

٢٥٤

استدلّ بالآيتين.

هـ : لا فرق في الولد بين الابن والبنت ؛ للإطلاق.

المسألة الخامسة : الزوجيّة لا تمنع من قبول الشهادة إجماعاً ؛ له ، وللعمومات ، وخصوص صحيحتي عمّار بن مروان والحلبي المشار إليهما في المسألة السابقة.

في أُوليهما : عن الرجل يشهد لامرأته؟ قال : « إذا كان خيراً جازت شهادته » (١).

وفي الثانية : « تجوز شهادة الرجل لامرأته ، والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها » (٢).

ومقتضى الأخيرة اشتراط القبول في الزوجة بانضمام غيرها من أهل الشهادة معها ، كما هو مختار جماعة من أصحابنا (٣).

بل نسبه في التحرير إلى الأصحاب ، قال : ولكن شرط أصحابنا في قبول شهادة الزوجة لزوجها انضمام غيرها معها من أهل العدالة ، وشرط آخرون في الزوج أيضاً ، وليس بجيّد (٤). انتهى.

وتدلّ عليه أيضاً موثّقة سماعة المتقدّمة إليها الإشارة وفيها : وعن شهادة الرجل لامرأته ، قال : « نعم » ، والمرأة لزوجها ، قال : « لا ، إلاّ أن يكون معها غيرها » (٥).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٣ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ ، ٦٢٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٦ أبواب الشهادات ب ٢٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٢ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ ، ٦٢٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٦ أبواب الشهادات ب ٢٥ ح ١.

(٣) كالشيخ في النهاية : ٣٣٠ ، والمحقّق في النافع : ٢٨٧.

(٤) التحرير ٢ : ٢٠٩ ٢١٠.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٤٧ ، ٦٢٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٧ أبواب الشهادات ب ٢٥ ح ٣.

٢٥٥

خلافاً للمحكيّ عن المتأخّرين كافّة ، فقالوا بعدم الاشتراط فيها (١) ، بل عن ظاهر كثير من القدماء ، كالمفيد والشيخ في المبسوط والخلاف والعماني والحلّي والحلبي (٢) ، بل المشهور كما عن الصيمري.

لقصور الروايتين عن اشتراط الضميمة بالمعنى المتنازع فيها من جهة الدلالة ؛ لاحتمال ورود الشرط فيهما مورد الغالب ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا ، منهم : الشهيد الثاني ، قال : ووجه التقييد في الرواية : أنّ المرأة لا يثبت بها الحقّ منفردة ولا منضمّة إلى اليمين ، بل يشترط أن يكون معها غيرها ، إلاّ ما استثني نادراً ـ وهو الوصيّة بخلاف الزوج ، فإنّه يثبت بشهادته الحقّ مع اليمين ، والرواية باشتراط الضميمة معها مبنيّة على الغالب في الحقوق ، وهي ما عدا الوصيّة (٣). انتهى.

وهو حسن ، بل يمكن منع الثبوت في النادر ؛ إذ لا يثبت فيه المشهود به ، بل ربعه.

وما ذكره أمتن ممّا أجاب به الفاضل في المختلف من أن المراد بذلك كمال البيّنة من غير يمين (٤) ؛ إذ لو كان المراد ذلك لما كان مختصّاً بالزوجة ، بل ينبغي طرد الشرط في الزوج أيضاً ؛ مع أنّ الروايتين خصّتاه بالزوجة ، بل ظاهر الأخيرة تخصيصه بها دونه.

__________________

(١) حكاه في الرياض ٢ : ٤٣٥.

(٢) حكاه عنهم في الرياض ٢ : ٤٣٥ ، وانظر المقنعة : ٧٢٦ ، والمبسوط ٨ : ٢٢٠ ، والخلاف ٢ : ٦٢٤ ، حكاه عن العماني في المختلف ٢ : ٧٢٠ ، الحلي في السرائر ٢ : ١٣٤ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٣٦.

(٣) المسالك ٢ : ٤٠٦.

(٤) المختلف : ٧٢٠.

٢٥٦

ولا يخفى أنّه يمكن إجراء الجوابين في كلام القائلين بالاشتراط أيضاً ، كالشيخ في النهاية ومن يحذو حذوه (١) ، وحينئذٍ يرتفع الخلاف في المسألة.

ثم على تقدير المخالفة تظهر الثمرة فيما لو شهدت لذي الوصيّة ، فتقبل على القول بعدم الاشتراط ، ولا تقبل على القول بالاشتراط.

والأقوى هو الأول ؛ لما عرفت من ضعف دليل الثاني ، وأضعف منه القول بالاشتراط في الزوج أيضاً كما نقله في التحرير ، وحكي عن النهاية والقاضي وابن حمزة (٢) لعدم دليل عليه أصلاً ، بل الأخير يدل على العدم ؛ لقطعها الشركة بالتفصيل.

ثم على تقدير الاشتراط في الزوجة ، قيل : يكفي انضمام امرأة أُخرى ولو كانت زوجة اخرى للزوج أيضاً فيما يكتفي فيه بشهادة الامرأتين ، كنصف الوصيّة (٣).

وهو حسن ؛ لإطلاق الغير المشترط انضمامه ، والله العالم.

المسألة السادسة : الصحبة ولو كانت مؤكّدة والصداقة وإن كانت مؤكّدة والضيافة لا تمنع من قبول الشهادة بلا خلاف ، بل بالإجماع ؛ له ، وللأصل ، وورود النصّ في الأخير أيضاً (٤).

المسألة السابعة : تقبل شهادة الأجير لمن استأجره ، وفاقاً للحلّي‌

__________________

(١) النهاية : ٣٣٠.

(٢) التحرير ٢ : ٢١٠ ، النهاية : ٣٣٠ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٥٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣١.

(٣) انظر المسالك ٢ : ٤٠٦.

(٤) الوسائل ٢٧ : ٣٧١ أبواب الشهادات ب ٢٩.

٢٥٧

والمحقّق والفاضل (١) ، وأكثر المتأخرين كما صرّح به جماعة (٢) بل ظاهر بعضهم إطباقهم عليه (٣) ؛ للعمومات كتاباً وسنّة.

خلافاً للمحكيّ عن أكثر المتقدّمين كالشيخ في النهاية والصدوقين والحلبي والقاضي وابني حمزة وزهرة (٤) بل قيل : ربّما يشعر سياق عباراته بكون المنع مجمعاً عليه بين الخاصّة (٥).

لموثّقة سماعة ومرسلة الفقيه المتقدّمتين في صدر الشرط السادس ، ورواية معاني الأخبار المتقدّمة فيه أيضاً.

بضميمة تفسير الصدوق القانع من أهل البيت بالرجل يكون مع قوم في حاشيتهم كالخادم لهم والتابع والأجير (٦).

ورواية العلاء : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يجيز شهادة الأجير » (٧).

وظاهر صحيحة صفوان : عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه ، أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟ قال : « نعم ، وكذلك إذا أُعتق العبد‌

__________________

(١) الحلي في السرائر ٢ : ١٢١ ، المحقق في الشرائع ٤ : ١٣٠ ، الفاضل في التحرير ٢ : ٢١٠.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٠٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٨٣ ، وصاحب الرياض ٢ : ٤٣٥.

(٣) كما في الرياض ٢ : ٤٣٦.

(٤) النهاية : ٣٢٥ ، الصدوقان في المقنع : ١٣٣ ، الحلبي في الكافي : ٤٣٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٥٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٤٣٦.

(٦) معاني الأخبار : ٢٠٩.

(٧) الكافي ٧ : ٣٩٤ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٦ ، ٦٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٢١ ، ٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٢ أبواب الشهادات ب ٢٩ ح ٢.

٢٥٨

جازت شهادته » (١).

وموثّقة أبي بصير : « وتكره شهادة الأجير لصاحبه ، ولا بأس بشهادته لغيره ، ولا بأس به له بعد مفارقته » (٢).

والرضويّ : « لا تجوز شهادة شارب الخمر » إلى أن قال : « ولا أجير لصاحبه ، ولامرأة لزوجها » (٣).

ووجه ظهور الصحيحة كما قيل (٤) التقرير والتشبيه.

ووجه ظهور الثاني أنّ الظاهر أنّ المراد من الكراهة الحرمة ؛ إذ لو قبلت الشهادة لزم أداؤها ، فلا معنى للكراهة ، والحمل على الإشهاد لا يلائمه ما بعده.

والجواب عن الجميع : بالمعارضة مع عمومات قبول الشهادة بالعموم والخصوص من وجه ، وترجيح العمومات كما مرّ في المتّهم.

نعم ، لو تمّت دلالة الصحيحة لأمكن أن يقال باختصاصها بالعادل ، حيث صرّح فيها بالقبول بعد المفارقة.

ولكن في تماميّتها نظر ؛ لوقوع التقييد في السؤال ، وعدم حجّية ذلك التقرير كما بيّن في محلّه ، وعدم ظهور للتشبيه في تقييد المشبّه أيضاً.

فإن قيل : الموثّقة أيضاً بالعادل مخصوصة ؛ لنفي البأس عن شهادته لغيره وبعد المفارقة ، ومفهومها أيضاً يدلّ على ثبوت البأس الذي هو‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٥٧ ، ٦٧٤ ، الإستبصار ٣ : ٢١ ، ٦٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ أبواب الشهادات ب ١٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٥٨ ، ٦٧٦ ، الإستبصار ٣ : ٢١ ، ٦٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٢ أبواب الشهادات ب ٢٩ ح ٣.

(٣) فقه الرضا «ع» : ٢٦٠ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٤٣٤ أبواب الشهادات ب ٢٧ ح ١.

(٤) انظر الرياض ٢ : ٤٣٦.

٢٥٩

العذاب في الشهادة لمن هو أجيره قبل المفارقة ، وهذا أيضاً يدلّ على أنّ المراد بالكراهة الحرمة.

قلنا : لا معنى للحرمة أيضاً ؛ إذ لا إثم على أداء الشهادة الغير المقبولة قطعاً ، فالحمل على المجاز متعيّن ، ولعلّه الكراهة في صورة احتمال التهمة وعدم وجوب الشهادة عيناً لوجود الغير.

ثم على القول بالردّ يختصّ ذلك بما إذا شهد حال كونه أجيراً ، وأمّا إذا خلص عنه تقبل وإن تحمّلها حال الإجارة ؛ للصحيحة والموثّقة ، ولأنّه لا يصدق عليه الأجير حينئذ.

المسألة الثامنة : لا تقبل شهادة السائل بكفّه ، على الحقّ المشهور بين أكثر الأصحاب ، كما صرّح به جماعة (١).

والمراد به : الذي يسأل في نحو أبواب الدور والأسواق والدكاكين والحجرات ، واتّخذ ذلك ديدناً له ؛ لأنّه المتبادر من هذا التركيب ؛ لا من يسأل أحياناً لحاجة دعته إليه.

وعلى هذا ، فهو مراد من أطلق المنع كما في النافع ، وحكي عن الشيخ والقاضي (٢) كما هو صريح من قيّد كما عن الحلّي والتحرير والشرائع والإرشاد والتنقيح والدروس والمسالك (٣) ، وغيرها (٤) بل هو المشهور كما قيل (٥).

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٠٦ ، وصاحب الرياض ٢ : ٤٣٦.

(٢) النافع : ٢٨٧ ، الشيخ في النهاية : ٣٢٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٥٨.

(٣) الحلّي في السرائر ٢ : ١٢٢ ، التحرير ٢ : ٢١٠ ، الشرائع ٤ : ١٣٠ ، الإرشاد ٢ : ١٥٨ ، التنقيح ٤ : ٢٩٩ ، الدروس ٢ : ١٣١ ، المسالك ٢ : ٤٠٦.

(٤) كالرياض ٢ : ٤٣٦.

(٥) انظر الرياض ٢ : ٤٣٦.

٢٦٠